افتتح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قاعدتين عسكريتين على الحدود الغربية لمصر، بالقرب من ليبيا، تلك الجبهة المشتعلة والتي تلعب فيها مصر دورًا محوريًا بدعمها قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر، لتقويض نفوذ الإسلام السياسي المتزايد منذ الثورة الليبية، وتعتبر مصر الصحراء الليبية فناءً خلفيًا لأمنها القومي، وبدا ذلك واضحًا أكثر بحضور اللواء حفتر بجوار داعميه الرئيسيين؛ الرئيس المصري والأمير الإماراتي محمد بن زايد.


الأهمية الإستراتيجية للقواعد العسكرية غربي مصر

أقيمت قاعدة «محمد نجيب» العسكرية على مساحة 72 كم، في مدينة الحمام بمرسى مطروح شمالي غرب البلاد، بالقرب من البحر المتوسط، وتم الشروع في تطوير القاعدة منذ عامين وذلك في إطار إعادة تمركز عدد من الوحدات التابعة للمنطقة الشمالية العسكرية من أجل تأمين المناطق الحيوية غرب مدينة الإسكندرية ومنطقة الساحل الشمالى ومن بينها محطة الضبعة النووية وحقول البترول وميناء مرسى الحمراء ومدينة العلمين الجديدة وغيرها.

وستشمل القاعدة إعادة تمركز فوج لنقل الدبابات يسع نحو 451 ناقلة حديثة لنقل الدبابات الثقيلة من منطقة العامرية، كذلك إعادة تمركز وحدات عسكرية أخرى من مناطق مجاورة، إلى جانب ضم القاعدة للعديد من الأسلحة الهجومية المتطورة، فهي بمثابة قاعدة متكاملة.

وإلى جانب ذلك تم تطوير قاعدة «برانى» العسكرية، وذلك لتعزيز القدرات القتالية للمنطقة الغربية العسكرية لمنع تسرب العناصر الإرهابية عبر خط الحدود مع ليبيا، والتصدي لمحاولات التهريب للأسلحة والهجرة غير الشرعية، وبهذا تمثل القاعدتان إعادة تموضع لجزء كبير من قوات الجيش المصري ناحية الحدود الغربية والتي قد تطول تهديداتها الأمن المصري خاصة في ظل عدم حسم الأمور حتى الآن لحليف مصر في ليبيا.

وكانت هذه الأهداف المعلنة عن القاعدتين حيث هناك أهداف أكبر تتمثل في إيجاد تمركزات عسكرية قوية قادرة على تقديم الدعم المباشر والفوري للواء حفتر في مواجهاته مع خصومه الإسلامين وخاصة في ظل عدم قدرته حتى الآن على حسم الأمور لصالحه، فجاءت القواعد المصرية كذراع قد يمتد إلى ليبيا في أي وقت وتوفير الدعم لحليفها، وقطع الدعم عن خصومه وذلك بالتوازي مع مسار سياسي تمثّل في تصنيف الجماعات المناوئة له كمنظمات إرهابية تمهيدًا لعزلها سياسيًا ومنع وجودها مستقبلًا في أي حكومة ليبية.


عيونهم على الصحراء الليبية

إلى جانب الأهداف المعلنة لقاعدة «محمد نجيب» و«سيدي براني» تأتي ليبيا كهدف أساسي لهذه القواعد، فمن ناحية سمحت القوى الكبرى لمصر بالتدخل في ليبيا بشكل علني لحماية أمنها، وتمثل ذلك في الضربات الجوية التي وجهتها إلى جماعات مسلحة أواخر مايو/آيار الماضي شمال شرقي ليبيا، اتهمتها مصر بدعم عمليات إرهابية على أراضيها، كما وصلت الضربات إلى الجنوب في الجفرة.

واستهدفت الضربات بالأساس الجماعات المسلحة المناوئة لحفتر والتي تحول دون سيطرته على كامل التراب الليبي، ومنها «مجلس مجاهدي درنة» و «مجلس ثوار بني غازي» والمصنفين إرهابيًا من قبل الإمارات ومصر والسعودية والبحرين، وذلك في القوائم المعلنة مؤخرًا على خلفية الأزمة مع قطر، وأكد الجيش المصري وقتها أن الضربات الجوية لم تنتهِ ولم يعلن حتى الآن عن انتهائها، ويؤكد وصول الضربات إلى وسط ليبيا على إصرار مصر على دعم مصالحها في ليبيا عن طريق حفتر.

ولهذا من المرجح أن تُستخدم قاعدتا محمد نجيب وسيدي براني في تدريب ضباط وجنود الجيش الوطني الليبي إلى جانب تقديم الدعم والحماية لحفتر والموجود في طبرق شرقي ليبيا؛ أي بالقرب من القاعدتين غربي مصر، ومن المرجح أيضًا أن تستخدم القواعد في توجيه ضربات عسكرية مركزة خلال الفترة المقبلة لإنهاء سيطرة الجماعات الإسلامية على العاصمة طرابلس وبعض المدن الأخرى.

وهناك قبول دولي للتحركات المصرية إلى الآن في ليبيا، فلم تعترض أي من القوى الكبرى على الضربات الجوية الأخيرة، وذلك خلافًا للسابق حينما اعترضت إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما على شن الطيران المصري غارات جوية على معاقل متطرفين في فبراير/شباط 2015، ردًا على ذبح تنظيم داعش الإرهابي واحدًا وعشرين مصريًا موجودين في ليبيا، وحينما تكرر الأمر هذا العام لم يعترض أحد على الضربات المركزة والكثيفة باستثناء حكومة الوفاق الوطني.

ويوجد الآن توافق على إنهاء الخلاف بين حفتر ورئيس حكومة الوفاق الوطني، فائز السراج، من أجل توحيدهما لإقصاء حكومة الإنقاذ والموجودة في طرابلس والمدعومة من الجماعات الإسلامية والمدرج أغلبها الآن على قائمة الإر هاب الرباعية سالفة الذكر، وتتضافر في هذا الملف بشكل كبير جهود مصر والإمارات بالتعاون مع فرنسا.

وفي هذا الشأن أعلن حفتر والسراج خلال لقائهما يوم 25 يوليو/تموز الجاري في فرنسا بوساطة من الرئيس إيمانويل ماكرون، الاتفاق على وقف إطلاق النار في ليبيا وتوفير الظروف المناسبة لإجراء انتخابات، وكذلك تفعيل اتفاق الصخيرات ومواصلة الحوار السياسي، استكمالًا للقاء الذي جمعهما في أبوظبي لأول مرة في مايو/آيار الماضي.

ومن شأن هذا الاتفاق أن يمنح شرعية كبيرة لحفتر، والذي كان مستبعدًا بحكم اتفاق الصخيرات وسيتم الآن تعديله لصالحه، حيث نص بيان اتفاق باريس على موافقة السراج وحفتر على نزع السلاح وإدماج المقاتلين الراغبين في الانضمام إلى القوات النظامية، وتسريح المقاتلين الآخرين وإعادة إدماجهم في الحياة المدنية، وسيسيطر حفتر على المؤسسة العسكرية التي ستضم التشكيلات المسلحة، وبهذا يكون فعليًا سيطر على الأوضاع في ليبيا.

وبالطبع سيكون لمصر دور كبير في تشكيل المؤسسة العسكرية الليبية ووضع أركان جيشها، وستكون القواعد المصرية في الغرب فاعلًا أساسيًا في دعم هذا الاتجاه وتثبيت سيطرة حفتر على جيش نظامي واحترافي.


مصر والإمارات تحققان أهدافهما في ليبيا

تدعم الإمارات ومصر سيطرة قائد الجيش الوطني على ليبيا، ونجحتا بشكل كبير في ذلك عن طريق فرض سيطرته على الأرض عسكريًا، ورغم حظر مجلس الأمن الدولي تقديم مساعدات عسكرية لأي جهة في ليبيا إلا أن تقريرًا صادرًا عن خبراء في الأمم المتحدة قُدم إلى مجلس الأمن الدولي، في يونيو/حزيران الماضي أثبت تقديم أبوظبي مروحيات قتالية وطائرات حربية للجيش الوطني، مما يشكل انتهاكًا للحظر الدولي.

ومن جهة أخرى تقدم مصر التدريب والخبرة للجيش الوطني إلى جانب الضربات العسكرية لمعاقل الجماعات المسلحة، كذلك الإمارات تتولى جزءًا كبيرًا من عمليات التمويل بجانب التعاون مع مصر في الجهود الدبلوماسية للتقريب بين حفتر والسراج وإدماج حليفهم -حفتر- في العملية السياسية بعد أن كان مستبعدًا.

وكانت ليبيا أحد الأسباب غير المعلنة للمقاطعة الرباعية لقطر، إذ اتُهمت بتقديم الدعم لجماعات مسلحة في ليبيا تضر بمصالح البلدين، وعلى هذا الأساس تم تصنيف العديد من الجماعات والأفراد الليبين ذوي الصلة بقطر ضمن قائمة الإرهاب المعلنة في يونيو/حزيران الماضي،وضُم إليها أفراد وكيانات جديدة الأسبوع الحالي.

خلاصة القول إنه يمكن الانتهاء إلى أن مصر والإمارات نجحتا في فرض حفتر ثم دعم سيطرته على أرض الواقع الليبي، وبعد ذلك دعمه سياسيًا، سواء في الداخل الليبي أو على المستوى الدولي، والآن سيتم البدء في المرحلة الجديدة وهي تولي مهمة بناء جيش قوي يقوده حفتر، وتبدأ نواة هذا الجيش من القاعدتين الجديدتين، ولكن بالتأكيد ستتدخل أطراف أخرى كفرنسا والولايات المتحدة لرسم قدرات وحدود الجيش الليبي الجديد.