Commentary

Op-ed

تسييس إصلاح القطاع الأمني في مصر

قام المفكر المصري المعروف الدكتور فهمي هويدي منذ أسبوعين 

بتلخيص

دراسة كنت قد أجريتها عن

إصلاح القطاع الأمني في مصر

. حاول الدكتور هويدي تسليط الضوء على حقيقة مهمة وهي أن: مصر تتوفر فيها “الخبرة والمعرفة” المتعلقة بإصلاح القطاع الأمني سواء في هذه الدراسة أو في مثيلاتها. غير أن ما قد لا يعلمه الدكتور هويدي هو أن هذه الدراسة وغيرها من المبادرات المتعلقة بهذا الأمر قد تم تقديمها من قبل إلى العديد من المسئولين المصريين. ومن المؤكد أن مثل هذه الدراسات/المبادرات قد حظيت باهتمام المسؤولين ولكن الاهتمام بهذه الدراسات/المبادرات شيء أما القدرة على تنفيذها فهي شيء أخر مختلف تمامًا.

من الثابت الآن أن السياحة والاستثمارات الأجنبية المباشرة، والاستقرار السياسي، والعدالة الاجتماعية، وربما نجاح عملية الانتقال الديمقراطي في مصر، يعتمد على الأوضاع الأمنية في البلاد. والسؤالان اللذان يتم طرحهما عادة هما: هل يتسم القطاع الأمني بالفعالية في احتواء التهديدات الحقيقية؟ وهل هذا القطاع يمكن مساءلته أمام الشعب ممثلاً بمسئولين مدنيين؟ وحتى الآن فإن الإجابة عن هذين السؤالين في مصر هي على الأرجح “لا”.

الأخونة

تتعامل الرئاسة مع مسألة إصلاح القطاع الأمني بطريقة تدريجية وغير ثورية إذ تفضل العمل في ظل قواعد النظام المعمول بها بدلا من تغييرها من الأساس. قام الرئيس مرسي بتعيين اللواء خالد ثروت مديرًا لجهاز الأمن الوطني في أكتوبر 2012، وشتان ما بين ذلك وبين “أخونة” جهاز الشرطة. جاء اللواء ثروت من قلب جهاز مباحث أمن الدولة سيء السمعة. وكان اللواء ثروت رئيسًا لإدارة “النشاط الداخلي” وهي إدارة عامة مسؤولة عن مراقبة والتحقيق مع منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية ووسائل الإعلام. وفي وقت ما، كان اللواء ثروت رئيسًا لمجموعة “مكافحة النشاط الإخواني”.

علاوة على ذلك، وفي اختلاف جذري عن تونس التي كان فيها أول وزير داخلية بعد الثورة مدنيُا ومن ضحايا التعذيب وينتمي لحزب النهضة، كان أول وزير داخلية في عهد أول رئيس مصري مدني منتخب في التاريخ هو اللواء أحمد جمال الدين، وهو أحد الرموز المعرفة بولائها للمحكوم عليه في تهم جنائية، اللواء حبيب العادلي، وزير داخلية مبارك. تبنى اللواء جمال الدين موقفًا متشددًا خلال مفاوضات الإفراج عن السجناء السياسيين في أعقاب نجاح الثورة فضلاً عن تشدده خلال المباحثات التي أجريت لفض الاشتباكات المندلعة في شارع محمد محمود في شهر نوفمبر 2011. كان اللواء جمال الدين أيضًا من بين الشهود في قضية “محاكمة ضباط الجيزة” المتهم فيها 17 ضابطًا بقتل وإصابة المتظاهرين في يناير 2011. دافع اللواء جمال الدين عن الضباط مدعيًا أن الضباط قتلوا الضحايا وهم في حالة “دفاع شرعي عن النفس”. وقد قام تحالف “ضباط لكن شرفاء”، وهو منظمة غير رسمية من ضباط الشرطة الذين يضغطون من أجل تحقيق إصلاحات داخلية، باتهام اللواء جمال الدين بأنه أحد أعضاء فصيل قوي في الوزارة يقاوم أي محاولات للإصلاح، وقد أطلقوا على هذا الفصيل اسم “رجال العادلي”. وإجمالاُ، لم تقم إدارة مرسي بأي خطوات مؤثرة في إصلاح القطاع الأمني، ويرجع ذلك على الأرجح إلى حسابات سياسية تتسم بالحذر.

وقال وزير الداخلية الجديد، اللواء محمد إبراهيم، في 19 فبراير 2013 “لدي 186 ضابط شهيد وأكثر من 800 مصاب حتى الآن، والضباط الصغار يمنعون قادة الآمن من دخول مكاتبهم، ويقوم مائة طفل أو نحو ذلك بإشعال النار في قصر الرئاسة أسبوعيًا … وتم إغلاق أكبر مجمع حكومي في مصر لمدة 4 أيام، متى إذن يمكن أن أجد وقتًا للإصلاح؟ … عندما تنتهي هذه المهاترات السياسية.. كانت هذه هي إحدى المرات النادرة التي يتحدث فيها وزير داخلية علنًا عن عجز قوات الأمن وعن عملية الإصلاح. ومما يدعو لمزيد من القلق أنه لم يكن يكذب بشأن الحقائق أو الأرقام. وفي هذا الصدد يمكن أن يؤدي انهيار وزارة الداخلية في الوقت الحالي إلى عواقب وخيمة على مصر.

وزارة الداخلية في مأزق لا فكاك منه

أدت أعمال العنف المندلعة في الشوارع بالإضافة إلى تسييس إصلاح القطاع الأمني من جانب خصوم سياسيين إلى نتائج سلبية على عملية الإصلاح ومصداقيتها. ويطالب قادة المعارضة في البرامج التلفزيونية الحوارية وضع إصلاح القطاع الأمني موضع التنفيذ من أجل التخلص من وحشية جهاز الشرطة. وفي الوقت نفسه، تثني نفس هذه الرموز السياسية على لواءات الآمن والقضاة/وكلاء النيابة الفاسدين والمعروف عنهم تأييدهم للممارسات الوحشية لانتزاع الاعترافات وتلفيق التهم. ويصل الأمر ببعض السياسيين إلى مطالبتهم بالتدخل في العملية السياسية، من خلال سحق خصومهم. وبهذا المعنى فإن وزارة الداخلية في “مأزق لا فكاك منه”. فمن ناحية، تتحمل الوزارة مسئولية الدفاع عن مؤسسات الدولة، التي تتعرض باستمرار للهجوم من جانب جماعات عنف ذات خلفيات مختلفة. ومن ناحية أخرى، إذا تم قتل أو إصابة أي من هؤلاء المتظاهرين، يتم اتهام وزارة الداخلية بالوحشية. أضف إلى ذلك نقص الخبرة فيما يتعلق بتكتيكات مكافحة الشغب التي لا تتسبب في القتل. وقد قال لي رائد بقوات الأمن المركزي، والذي شهد الهجمات التي تعرض لها القصر الرئاسي في يناير الماضي “كل ما يخبرونك [الناشطين] به عبارة عن أكاذيب … ما يحدث عادة هنا هو أن الضابط يتعرض للهجوم بالبنادق وقنابل المولوتوف. وإذا ما حاول الهرب، يتم اتهامه بالتقصير في عمله ثم يتعرض للمحاكمة. أما إذا رد، يتم اتهامه بالوحشية ثم تتم محاكمته أيضًا. ما المفروض أن يفعله بالضبط؟…”

وفي جميع الأحوال، لن تكتمل عملية التحول الديمقراطي بدون استهداف سوء استخدام السلطة، والقضاء على التعذيب، ووضع حد للإفلات من العقاب في الأجهزة الأمنية، مع فرض رقابة مدنية فعالة ومجدية على القوات المسلحة والمؤسسات الأمنية. وما من شك أن هذه الأهداف كانت من صميم أهداف الثورة المصرية عام 2011. غير أن هذه الأهداف من المستحيل تحقيقها في ظل عملية الاستقطاب الحادة التي تشهدها مصر في الوقت الحالي أو في ظل محاولات مستمرة للتلاعب بالقطاع الأمني من جانب خصوم سياسيين. وكما تم عرضه في حالات مقارنة، ستكون وحدة القوى السياسية فيما يتعلق بهذا المطلب المحدد هي العامل الأساسي لنجاح القطاع الأمني والديمقراطية.