مشروع قانون مكافحة الإرهاب: أسس لدولة بوليسية من دون ضوابط


2013-11-22    |   

مشروع قانون مكافحة الإرهاب: أسس لدولة بوليسية من دون ضوابط

انتهت وزارة الداخلية من إعداد مشروع قرار بقانون لمكافحة الإرهاب، تمهيدًا لإصداره والعمل به بعد موافقة كلًا من مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية. وقد جاء هذا المشروع ليكون بمثابة ستار تشريعي يمكن الدولة وأجهزتها أن تداري فشلها في مواجهة كافة أعمال العنف التي اندلعت بعد 30 يونيو من العام الجاري، متعللة – وفقًا للمذكرة الإيضاحية للمشروع –  بأنه في ضوء ما تشهده البلاد من أعمال عنف متنامية انتشرت في العديد من المحافظات في محاولة لإجهاض جهود الدولة إلى تعزيز قيم الديمقراطية، وإرساء بناء اقتصادي قوي يعتمد على زيادة الإنتاج وتنوع التدفقات الاستثمارية، حيث بدا بوضوح أن بعض التيارات تسعى لإعاقة جهات الدولة المختلفة، وإضعاف الروح الوطنية وقيم الانتماء التي أفرزتها الثورة المصرية لدى المواطنين؛ وقد أثر ذلك كله على كافة الأنشطة في البلاد، فتراجع النشاط السياحي، وتأرجحت مؤشرات البورصة المصرية، وفقد العديد من المواطنين وظائفهم، وهو ما استوجب إعداد مشروع قانون لمكافحة الإرهاب يستهدف بصفة أساسية "تشديد العقوبة على الجريمة الإرهابية والجرائم المرتبطة بها، توفير الحماية لمقار البعثات الدبلوماسية والقنصلية ووسائل النقل بكافة أشكالها وأنواعها، فرض رقابة على مواقع شبكة المعلومات الدولية –الانترنت- مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها".

تضمن هذا المشروع العديد من الإشكاليات القانونية والتي ستؤثر حتمًا على حقوق الإنسان وحرياته، ومن بين هذه الإشكاليات، أنه وضع مفهومًا للعمل الإرهابي والجريمة الإرهابية بصورة غير منضبطة، الأمر الذي من شأنه أن يدخل تحت مظلته العديد من الجرائم العادية التي تحدث بصورة يومية أو شبه يومية، كما أنه عمل على خنق حرية التعبير عن الرأي وحرية التجمع السلمي.

في هذا المقال سنفرد لهذه الإشكاليات بشيء من الإيجاز غير المخل، حتى يتعرف القارئ المصري خاصة والعربي عامة عليها.

أولًا: مفهوم العمل الإرهابي والجريمة الإرهابية مفاهيم مبهمة يشوبها الغموض
قبل التطرق للمفاهيم التي جاء بها مشروع القانون، نود أن نلفت نظر القارئ إلى أن المجتمع الدولي لم يتوصل إلى مفهوم واضح "للإرهاب"، والدال على ذلك الاختلاف والتباين بين كافة الاتفاقيات الدولية المعنية بتجريم الإرهاب،[1] وترجع صعوبة إيجاد هذا التعريف إلى أن لفظ "الإرهاب" يشوبه الغموض وعدم الانضباط هذا من جانب، ومن جانب آخر عمدت الدول إلى زيادة تجهيل المصطلح والعمل على تعريفه بصورة فضفاضة حتى يتسنى لها تحقيق أهدافها السياسية،[2] وتبرير كافة الانتهاكات التي ترتكب بزعم الحرب على الإرهاب.

وقد استغل المشروع الغموض الكامن في المصطلح، ولكنه لم يكتف بذلك، بل عمل على توسيع دائرة الجرائم التي تدخل في عِداد الجريمة الإرهابية، ذلك عندما وضع تعريفًا لكل من "العمل الإرهابي" و"الجريمة الإرهابية" في المادة 2، 3 منه –على الترتيب-، قاصدًا بالعمل الإرهابي "كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديد أو الترويع، بهدف الإخلال الجسيم بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع أو مصالحه أو أمنه للخطر، متى كان من شأن هذا الاستخدام إيذاء الأشخاص أو إلقاء الرعب بينهم أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو حقوقهم العامة أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة، أو بالموارد الطبيعية أو بالآثار أو بالأموال أو بالمباني أو بالأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها، أو منع أو عرقلة السلطات العامة أو مصالح الحكومة أو الوحدات المحلية، أو البعثات الدبلوماسية والقنصلية، أو المنظمات والهيئات الإقليمية والدولية في مصر من ممارسة كل أو بعض أوجه نشاطها، أو منع أو عرقلة دور العبادة أو مؤسسات ومعاهد العلم لأعمالها، أو تعطيل تطبيق أي من أحكام الدستور أو القوانين أو اللوائح.
وكذلك كل سلوك من شأنه الإضرار بالاتصالات أو بالنظم المعلوماتية أو بالنظم المالية أو البنكية، أو بالاقتصاد الوطني أو بمخزون الطاقة أو بالمخزن الأمني من السلع والمواد الغذائية والمياه أو بسلامتها أو بالخدمات الطبية في الكوارث والأزمات إذا ارتكبت بقصد تحقيق أحد الأهداف المبينة في هذا القانون".
 
بينما عُرفت الجريمة الإرهابية على أنها ""كل جريمة منصوص عليها في هذا القانون، وكذلك كل جريمة ترتكب بقصد تحقيق أحد أهداف العمل الإرهابي، أو لتمويل الإرهاب المبينة في المادة السابقة".
 
إن لكل سلوك إجرامي ركنان، أحدهما مادي والآخر معنوي: فمن ظاهر تعريف العمل الإرهابي نجد أن الركن المادي للجريمة يتمثل في "كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديد أو الترويع" أما الركن المعنوي فيتمثل في "الإخلال الجسيم بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع أو مصالحه أو أمنه للخطر".

إنه من الأصول المقررة أن الفعل المجرم يجب أن يكون واضح العناصر على نحو يكفل التحديد الدقيق لماهيته، أما النص على تجريم سلوك يشوب تحديده الإبهام والغموض، فإنه يكون غير صالح للتجريم. وتحديد ماهية الفعل على نحو واضح ودقيق هو في الواقع قيد على السلطة التشريعية، وتؤدي مخالفته إلى أن يصبح مشوبًا بعيب عدم الدستورية. كما أن هذا الإيضاح هو الذي يميز بين التوسع المسموح به في مدلول الفعل والتوسع الذي يؤدي إلى إضافة أفعال أخرى بما يؤدي إلى وضع جرائم أخرى.[3]

 فقد سبق وأن أكدت المحكمة الدستورية العليا على أن النصوص العقابية يفترض فيها أن تكون واضحة جلية لا يشوبها الغموض، عندما قررت أن "المشرع يملك بما لـه من سلطة تقديرية في مجال تنظيم الحقوق والواجبات -وبما لا إخلال فيه بالمصلحة العامة- أن يحدد وفق أسس موضوعية ومن خلال النظم العقابية التي يقرها، أركان كل جريمة دون أن يفرض عليه الدستور طرائق بذاتها لضبطها تعريفاً بها، ودون إخلال بضرورة أن تكون الأفعال التي جرمتها هذه النظم قاطعة في بيان الحدود الضيقة لنواهيها، فلا يشوبها الغموض أو تتداخل معها أفعال مشروعة يحميها الدستور.

والمقصود بغموض النص العقابي -على ما جرى به قضاء هذه المحكمة- أن يجهل المشرع بالأفعال التي أَثّمها فلا يكون بيانها واضحاً جلياً ولا تحديدها قاطعاً أو فهمها مستقيماً بل مبهماً خافياً على أوساط الناس، باختلافهم حول فحوى النص العقابي المؤثم لها ودلالته ونطاق تطبيقه وحقيقة ما يرمي إليه، ليصير إنفاذ هذا النص مرتبطاً بمعايير شخصية مرجعها إلى تقدير القائمين على تطبيقه لحقيقة محتواه، وإحلال فهمهم الخاص لمقاصده محل مراميه الحقيقية وصحيح مضمونه".[4]

فعندما يفترض المشروع أن يستهدف الجاني من سلوكه الإجرامي "الإخلال الجسيم بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع أو مصالحه أو أمنه للخطر"، فهذا يتحقق في كافة الجرائم أيًا كانت خطورتها، ذلك لأن أي فعل إجرامي يشكل إخلالا بالنظام القانوني السائد في البلاد وأمن البلاد، لأنه –أي الفعل- ارتكب بالمخالفة لقاعدة قانونية مستقر عليها. كما أنه من غير المتصور أن يكون هدف الجاني الإخلال لذاته لأنه مفترض في كافة الجرائم.
والدال على ذلك، ارتكاب الجاني جريمة سرقة –على سبيل المثال- مصحوبة بتهديد المجني عليه، فإنه يكون بذلك أخل بالنظام العام وأمن المجتمع، ذلك على الرغم من أنها لا ترقى لأن يصدق عليها وصف الجريمة الإرهابية. إلا أنه وفقًا لها المشروع تدخل جريمة السرقة ضمن الجرائم الإرهابية، لتحقق الهدف الذي وضعه المشروع كمعيار لتمييز الجريمة الإرهابية عن غيرها من الجرائم.
 
ثانيًا: إضفاء مزيد من القيود على حرية التعبير في شكلها الواسع
على الرغم من أن حرية التعبير عن الرأي –بما تشتمل عليه من حق التجمع السلمي باعتباره كافلًا لأهم قنواتها- قد كفلتها الدساتير المصرية المتعاقبة والمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان، إلا أن مقترحي المشروع ضربا بالحماية الدستورية المفروضة لهذه الحرية عرض الحائط، ذلك عندما قررت المذكرة الإيضاحية "فرض الرقابة اللازمة على مواقع شبكة المعلومات الدولية، ومواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، لعدم استعمالها في الأغراض الإرهابية، وضبط من يستخدمها لتحقيق أهداف إجرامية".

وقد قرر المشروع عقوبة السجن التي لا تقل مدتها عن خمس سنوات،[5] لكل من أنشأ موقعًا الكترونيًا بغرض الترويج للأفكار أو المعتقدات الداعية إلى استخدام القوة أو العنف أو لبث ما يهدف إلى تضليل السلطات الأمنية أو القضائية أو لتبادل الرسائل وإصدار التكليفات بين الجماعات أو المنظمات الإرهابية والمنتمين إليها (المادة 27). كما قرر عقوبة السجن لكل من استخدم موقعًا من هذه المواقع في الترويج لهذه الأفكار (المادة 28).
وهذا يدل على الرغبة الدفينة لدى مقترحي المشروع للحد من حرية التعبير عن الرأي أو بمعنى أدق محوها، لأنه من ظاهر المذكرة الإيضاحية نجد أنهم أكدوا على مراقبة كافة المواقع الالكترونية قبل وقوع الجريمة الإرهابية. فهل من الجائز فرض رقابة سابقة على مواقع التواصل الاجتماعي أو حتى البريد الالكتروني لكل المقيمين على أراضي الجمهورية، لضبط ما أسموه "بالجريمة الإرهابية"؟

فهذا المسلك من جانب مقترحي المشروع انتهك ليس فقط حرية التعبير عن الرأي، بل انتهك أيضًا حرمة الحياة الخاصة للكافة، حيث أنه يدخل في نطاقها المحادثات الشخصية والمراسلات بأي طريقة من الطرق.  

ولم يكتف المشروع بهذا الحد، بل قرر عقوبة السجن المؤبد[6] أو السجن المشدد لكل من استخدم "القوة أو العنف أو التهديد أو الترويع" لقلب أو تغيير دستور الدولية أو نظامها الجمهوري أو شكل الحكومة.

فاصطلاح القوة هنا لا يعني القوة المسلحة، بل يعني أيضًا أي سلوك من شأنه إجبار الدولة على غير رغبتها –المظاهرات مثلًا-، وبالتالي فإن أية مطالبات من شأنها تحقيق كل ما ذكر تعد جريمة إرهابية يعاقب عليها القانون.

هذا بالإضافة إلى تجريم إنشاء "جمعية أو هيئة أو منظمة أو جماعة أو عصابة" على خلاف القانون يكون الغرض منها، تعطيل أحكام الدستور أو القوانين أو منع إحدى مؤسسات الدولة أو إحدى سلطات الحكم من ممارسة أعمالها.. (المادة 12).

فمن المعروف أن أية جمعية أو هيئة أو منظمة أو جماعة تنشأ بالمخالفة للقانون –يقصد قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية- تعد مخالفة تستوجب العقاب وفقًا لهذا الأخير، والذي يتمثل في حل الجمعية. لكنه من غير المتصور أن تنشأ "عصابة" وفقًا للقانون. فهل هناك قانون ينظم إنشاء العصابات في أي من دول العالم؟

لكنه لا يخف على أحد أن المقصود من هذا النص، هو إحكام السيطرة على الجمعيات والمؤسسات الأهلية وغيرها من أشكال التنظيم، وإجازة محاكمة القائمين عليها إذا ما قرروا المطالبة بتغيير نص دستوري أو قانوني، لأن تغيير النص يستوجب تعطيله، حتى يمكن إحلال غيره محله. فهل هذا يعتبر ضابطًا للتجريم؟

ثالثًا: عدم انضباط العقوبات المقررة على الجرائم الإرهابية
إن مشروع القانون قرر عقوبات مختلفة بالتناسب مع كل جريمة مدرجة وفقًا لنصوصه- هذا في نظر مقترحيه-، وتتمثل هذه العقوبات في الإعدام والسجن المؤبد والسجن المشدد والسجن والحبس.

إلا أنه وعند مطالعة هذه الجرائم والعقوبات المقررة لها، نجد أن مقترحي المشروع وضعوا تلك العقوبات بشيء من عدم الانضباط بأن قرروا عقوبات مشددة على أفعال هي في حقيقتها أقل خطورة عن تلك التي قرروا لها عقوبات أقل.

فقد قرر المشروع عقوبة السجن المؤبد، لجرائم التجسس وقلب نظام الحكم وتغيير الدستور أو الحكومة. فهل من المتصور أن يتم توقيع العقوبة المقررة لجريمة بخطورة التجسس على سلوك المطالبة بتغيير الدستور أو الحكومة؟

كما أنه قرر عقوبة السجن المشدد لجريمة أخذ الرهائن وذلك لحمل الدولة على القيام بعمل أو الامتناع عن عمل، في حين أنه قرر عقوبة السجن المؤبد لجريمة التدريب على استعمال السلاح، فهل يرقى الأخير لمرتبة السلوك الأول؟

في النهاية، يتعين على رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء رفض هذا المشروع الذي يؤسس لدولة بوليسية تتجاوز بدرجات كانت عليه الدولة المصرية في تاريخها، كما أنه يجعل اتهام الأشخاص وإلصاق وصف الجريمة الإرهابية وفقًا لأهواء رجال وزارة الداخلية كون الأفعال الصادرة عنهم تشكل إخلالا بالنظام العام والأمن العام.



[1] من بينها الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، اتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية لمنع الإرهاب ومكافحته (المادة 1 بند 3)، اتفاقية مجلس أوروبا لمنع الإرهاب (المادة 1 بند 1)، اتفاقية منظمة المؤتمر الإسلامي لمكافحة الإرهاب الدولي (المادة 1 بند 2،3)، الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب (المادة 2 بند 1/أ)"، ومن مطالعة هذه المواد نجد أنها تباينت واختلفت فيما بينها عند تحديدها لمفهوم الإرهاب أو العمل الإرهابي أو الجريمة الإرهابية.
[2] مثال ذلك (الحرب الأمريكية على العراق 2003).
[3] د/ أشرف توفيق شمس الدين – السياسة التشريعية لمكافحة الإرهاب ومدى اتفاقها مع أصول الشرعية الجنائية "دراسة نقدية للقانون المصري" – منشورة بموقع المحكمة الدستورية العليا – صفحة 12، 13.
[4] طعن رقم 146 لسنة 20 قضائية – جلسة 8 فبراير 2004 – مكتب فني 11- جزء 1- صفحة 222.
[5] يمكن أن تصل العقوبة إلى السجن لمدة خمسة عشر عامًا، مع تشغيل المحكوم عليه داخل أو خارج السجن في بعض الأعمال.
[6] السجن مدى الحياة.
انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، محاكمة عادلة وتعذيب ، مصر



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني