يُنظَر لإقليم الخليج العربي على كونه إقليمًا جيوسياسيًا في أعلى درجات الأهمية، ليس على المستوى الإقليمي فقط، وإنما على المستوى العالمي وبين القوى الدولية الكبرى.

من هُنا تبرز أهمية العلاقة الوثيقة بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول الكتلة الغربية مُمثلة في الولايات المتحدة الأمريكية؛ وهو ما يصبغ المنطقة بطابع اللاعب المؤثر في رسم السياسات الإقليمية.

وبشكل متسلسل، تظهر مكانة الإقليم في المنظومة الاستراتيجية الغربية عمومًا والولايات المتحدة بشكل خاص؛ إذ يمكن قراءة الوجود الأمريكي العسكري في الخليج ومحاولات تثبيت استمراريته في إطار سعي المؤسسات الأمريكية لمنع أي قوى منافسة من ملء مكانها والسيطرة على ذلك المسطح المائي الحيوي، الأمر الذي قد يُهدد الوضع القائم في المنطقة.

ورغم الاتجاه للعولمة والمعلوماتية والتقنيات العلمية منذ نهايات القرن العشرين، في إطار ما يمكن توصيفه بـ«نهاية حقبة الجيوسياسة»، إلا أن ذلك لم يعنِ سوى أن التحديات التي تجري في أي إقليم تتعرض لما يُعرف فلسفيًا بـ«الانتزاع» (déterritorialisation) من سياقاتها المحلية، لتُوضع في سياقات دولية أوسع وأكثر تعقيدًا.

أهمية جغرافية وملاحية

تبرز أهمية الخليج العربي في كونه يُشكل حدًا بين الحضارتين العربية والفارسية، إضافة لقربه من الحضارتين الهندية ثم الصينية؛ فهو بذلك يمثل خطًا من خطوط الصدع، كما وصفها «صامويل هنتغتون»، أو جزءًا من «منطقة التصادم» التي تمثل ساحة صراع وتنافس بين مختلف القوى الدولية والإقليمية، إضافةً لقربها من بؤر الصراع الدولية؛ ابتداءً بالصراع العربي- الإسرائيلي، والصراع الهندي-الباكستاني، وغيره. [1]

تلك الأهمية ليست وليدة لما يملكه الإقليم من ثروات نفطية وغازية هائلة انعكست على المستوى الاقتصادي وحسب، ما جعله سوقًا مهمًا للغاية للشركات الكبرى، ولكن أيضًا بسبب مكانة تلك المنطقة من الناحية الجغرافية؛ إذ إنها تتوسط قارات العالم القديم وطرق مواصلاتها الملاحية من خلال المنافذ والممرات البحرية الواقعة في الإقليم، كمضيق «هرمز» الذي يُعد من أهم المضائق المائية على مستوى العالم؛ بسبب الحيوية التي يتمتع بها فيما يخص الطاقة والنفط.

وحالة مضيق هرمز تتلخص في أنه مياه إقليمية لكل من عُمان وإيران مناصفةً، إلا أنه يخضع لقواعد المرور الدولية دون الحاجة لإذن أي من الدولتين المطلتين عليه، لكونه يربط بين بحرين من البحار العالية؛ هما خليج عُمان والخليج العربي، إضافةً إلى أنه المنفذ الوحيد لعدة دول خليجية على العالم الخارجي، كالعراق والكويت وقطر، إضافة لإيران صاحبة الإطلالة الأكبر على الخليج.

ساحل الخليج الشرقي شديد الحساسية للإيرانيين؛ ذلك أن إيران مُحاطة بعدة دول ذات ثقل استراتيجي وجغرافي وسكاني، كباكستان وتركيا وجمهوريات آسيا الوسطى الواقعة ضمن النفوذ الروسي؛ ما يجعل مياه الخليج أمرًا حيويًا للمصالح الإيرانية، خصوصًا إذا ما علمنا أن نفط إيران المهم لاقتصادها يتركز في الخليج ومنطقة الأحواز ذات الغالبية العربية المشاطئة له.

وقد يُجادل البعض أن لإيران سواحل على خليج عُمان، إلا أن وعورة تلك السواحل وبعدها عن مراكز الثقل السكاني وبُعد منابع النفط منها نسبيًا لا يُعطيها ذات أهمية سواحل الخليج العربي، كما أن بحر قزوين مسطح مائي مغلق، رغم امتلاك إيران لأكثر من 25% من مجموع طول سواحله.

طبيعة النظام الإقليمي الخليجي

إن الدول الثمانية المُشاطئة لسواحل الخليج العربي؛ دول مجلس التعاون والعراق وإيران، هي الوحدات السياسية المُكوِّنة للنظام الإقليمي الخليجي، بما تحويه بعض هذه الدول من امتدادات جغرافية متعددة، كما هو الحال لدى السعودية وإيران والعراق.

وأهم ما يُميِّز هذا النظام الإقليمي هو أنه قائم على النفط؛ تلك السلعة الاستراتيجية التي أدرك العالم أهميتها في الحرب والسلم على السواء، وبالتالي فإن النفط أبرز ما أكسب المنطقة طابعها المؤثر على الساحة الدولية.

ومع إمكانية النظر لوحدات النظام الإقليمي الخليجي على أساس التوزيع الجغرافي؛ فدول الشريط النفطي من الكويت إلى رأس مسندم (عُمان) هي مناطق دون أي عمق جغرافي، على عكس السعودية والعراق وإيران وعُمان (البر الرئيس) المكونة من أقاليم مختلفة ولها حدود بعيدة عن مياه الخليج، إلا أننا نستطيع أن ننظر لتلك الوحدات على أساس التكتلات السياسية.

إذ لدينا إيران على جانب مقابل لجانب مجلس التعاون الخليجي بقيادة المملكة العربية السعودية على رغم كل الخلافات البينية في هذا المعسكر، في حين أضحى العراق بعد عام 2003 ساحة نفوذ يتصارع عليها كلا الفريقين تصارعًا إقليميًا بعد أن كان صراعًا بينيًا بين العراق- نفسه- وإيران.

ويمكن النظر للنظام الإقليمي الخليجي من خلال علاقته بالأنظمة الإقليمية أو الدولية الأخرى؛ ولا يتحدد ذلك إلا في حالة توضيح حدود النظام فيما إذا كان يتعدى دول مجلس التعاون الخليجي لما عداه من الدول المحيطة؛ خصوصًا اليمن وإيران والعراق.

إن اقتصار النظام الخليجي على دول مجلس التعاون عما عداه يجعله نظامًا متفرعًا عن النظام العربي، ولكنه في الوقت ذاته شبه مستقل عنه؛ نظرًا لعلاقته المباشرة بالقوى الدولية الكبرى، وهو ذات الأمر فيما لو كانت اليمن ضمن النظام الإقليمي الخليجي، بينما في واقع الأمر، هو نظام ذو ارتباطات متنوعة عربيًا وآسيويًا ودوليًا.

هذه الارتباطات الخاصة بالنظام الخليجي بالأنظمة الإقليمية الأخرى إنما هي برهان حقيقي على نزوع النظامين العربي المشرقي، بما فيه (إسرائيل)، والعربي الخليجي للتمازج ضمن نظام واحد، تكون العراق والسعودية فيه واسطتا العقد بسبب موقعهما الجغرافي المتداخل بين النظامين.

إن كثيرًا من الصراعات الإقليمية في سوريا ولبنان والعراق– مع خصوصية كل منها- ليست سوى انعكاسات للصراع البيني بين وحدات النظام الخليجي، خصوصًا إيران والسعودية.

ويمكن إعادة الصراع الخليجي- الخليجي الحالي للحرب العراقية الإيرانية، التي طبعت المنطقة بطابع عدم الاستقرار، الذي يتضح أكثر في حال مقارنة قدرات الدول الثلاث الكبيرة في الإقليم (السعودية والعراق وإيران) مع الدول الأخرى الأصغر.

ومع ذلك، فقد بدا تأثير التداخل بين الأنظمة الإقليمية في غرب آسيا انعتاقًا لبعض الدول الصغرى في الخليج من هيمنة الدول الثلاث الكبرى، ما فتح أمامها أن تدخل في حالة من الندية السياسية والتأثير المكافئ نتيجة لدخول قوى إقليمية متحالفة في المنطقة، كحالة قطر– تركيا، والإمارات– إسرائيل.

يُذكر أيضًا دور الأزمات الحدودية والنفط والخلافات الدينية بين وحدات الكتلة الإقليمية في تأزيم العلاقات فيما بينها، وهو ما قد يُصبغ النظام الخليجي بصبغة النظام المأزوم، كالنظام العربي تمامًا.

اختلاف حول الحدود

إن إحدى المشاكل في تعريف النظام الإقليمي الخليجي بشكل دقيق هي قضية دخول دول معينة ضمن هذا الإقليم الجيوسياسي، وهو أمر ليس له وجود في نظم أخرى، كالنظام العربي القائم على أسس قومية واضحة المعالم.

هذه المشكلة تخص كلًا من اليمن والعراق، إضافة لإيران رغم طول سواحلها المشاطئة للخليج العربي والحدود المشتركة بريًا وبحريًا لدول النظام الخليجي كله، فضلًا عن تقاطع العلاقات السياسية وغيرها بين مختلف وحدات النظام الخليجي. لكن التجانس يمكن أن يكون أقل منه فيما يتعلق بالعراق واليمن وأقل بدرجة أكبر في حالة إيران؛ إذ التجانس الإيراني مع دول مجلس التعاون هو جغرافي، بينما تجانس إيران مع العراق يأخذ عدة ملامح ومظاهر متنوعة.

وعند التدقيق، فإن العراق حالة وسط بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران، ومع ذلك فإن قضية التماهي والتجانس بين مختلف الوحدات السياسية تتنوع تبعًا للمعيار المتبع؛ إذ إن مشكلة وضع العراق ضمن النظام الخليجي كان سببه صغر الساحل العراقي المطل على الخليج البالغ 58 كم، على اعتبار أنه يبدأ من الشمال حيث خور الزبير وخور شتيانة، وصولًا لنهاية مدخل خور عبد الله، المشترك مع الكويت، الذي يبلغ أكبر عرض له نحو 15 كم جنوبًا.

وبطبيعة الحال، فإن هذه الإطلالة البسيطة هي التي تجعل العراق دولة غير مغلقة قادرة على تصدير نفطها للعالم مباشرة، وهو الأمر الذي كان أحد أسباب الخلاف بين العراق والكويت، والذي تُوج بغزو الأخيرة عام 1990.

وبناءً على كل ما سبق، فإن النظام الخليجي يتكون من قطاعين رئيسين مؤثرين ومتأثرين بغيرهما وببعضهما البعض؛ ففي حين يمكن النظر لكل من إيران والسعودية وإيران على أنها دول محورية نظرًا لقوتهما السكانية والاقتصادية والجغرافية، يُنظر للدول الخمس الباقية بكونها طرفية، مع التذكير بوضع عُمان الخاص؛ إذ تظهر- نظرًا لمساحتها- في موقف وسطي بين الدول المحورية ونظيرتها الطرفية.

ومع ذلك، فإن هناك من يضع السعودية نفسها مع عُمان؛ نظرًا للفوارق بينها وبين العراق وإيران سكانيًا وزراعيًا.

المراجع
  1. جيمس فيرجريف، «الجغرافيا والسيادة العالمية»، ترجمة: علي رفاعة الأنصاري، مكتبة النهضة المصرية، 1956، ص 301.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.