صورة من فيديو وزعته وزارة الدفاع التركية قالت إنه يظهر ضربات على معسكرات حزب العمال في العراق
صورة من فيديو وزعته وزارة الدفاع التركية قالت إنه يظهر ضربات على معسكرات حزب العمال في العراق

تكرر الحكومة العراقية رسميا، احتجاجاتها ضد ما تعتبره "انتهاكات تركية مستمرة للسيادة العراقية"، لكن الموقف العراقي يشوبه كثير من الغموض إذ لم تتخذ بغداد أي إجراء فعلي ضد الوجود العسكري التركي في شمال  العراق، وتصر أنقرة، من ناحيتها، على أن عملياتها ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، تجري بالتنسيق مع بغداد، وهو ما تنفيه الأخيرة.

أحدث عملية تركية في شمال العراق، وعنوانها "قفل المخلب"، لا تزال جارية منذ أيام باشتراك قوات برية وجوية ومدفعية تركية.

وفيما صعدت الحكومة العراقية من بيانات الإدانة للعملية، لا بيدو حتى الآن أن أنقرة مهتمة كثيرا برد الفعل العراقي، بل على العكس، وجهت "الشكر" لبغداد وأربيل، زاعمة إنهما "تدعمانها" في هذه العمليات.

ووصفت وزارة الخارجية العرقية، في تصريحات للمتحدث باسمها، أحمد الصحاف، الأعمال التركية بأنها "عدائية أحادية الجانب".

وقال الصحاف في بيان الأربعاء، وفقا لـوكالة الأنباء العراقية، إن "الخارجية استدعت سفير تركيا وسلمته مذكرة احتجاج شديدة اللهجة، ووصفت في المذكرة العمليات العسكرية بأنها أحادية عدائية استفزازية، ولن تأتي على جهود مكافحة الارهاب".

وغداة تسليم السفير التركي المذكرة "شديدة اللهجة"، أعرب الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن "شكره" للحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان العراق، على ما وصفه بـ"دعم المعركة التي نخوضها ضد الإرهاب".

وقال إردوغان، خلال اجتماع لنواب حزبه، إن بغداد وقادة المنطقة الكردية المتمتعة بحكم ذاتي وعاصمتها إربيل يدعمون الحملة العسكرية التي تشنها تركيا برا وجوا، بحسب فرانس برس.

وزارة الدفاع التركية قالت إن العملية اشترك بها قوات عسكرية خاصة

ونفت وزارة الخارجية العراقية "وجود تنسيق واتفاق" بين تركيا والحكومة، رغم "ما يعلن عنه الجانب التركي بشكل متكرر بهذا الصدد"، مضيفة "هذا ادعاء محض".

وقال المتحدث باسم الوزارة إن "اتفاقا ما بين الجانب التركي مع حزب العمال دفع معظم مقاتلي الأخير إلى الأراضي العراقية"، وعد ذلك الأمر "ذريعة لاستمرار الانتهاكات التركية للأراضي العراقية".

وتقول حكومة إقليم كردستان العراق، بدورها، إن "موقفها الرسمي" هو "ليس مع أي أعمال عسكرية خارجية على أراضي الإقليم مهما كانت المبررات لأن نتائجها وتداعياتها تقع على المدنيين من أبناء وبنات الإقليم"، وفقا لكفاح محمود، مستشار رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني.

وتابع محمود في تصريح لموقع "الحرة" قوله: "بسبب تواجد قوات العماليين (قوات حزب العمال الكردستاني) تواجدت قواعد ومراكز عسكرية تركية، وهجر سكان أكثر من 800 قرية بيوتهم وحقولهم وتعرضت المنطقة إلى الخراب والدمار"، مضيفا "ولأجل ذلك فإن حكومة الإقليم ترفض وجود العمال الكردستاني التركي على أراضيها وتحمله مسؤولية الحرب الدائرة" هناك.

ويقول المحلل السياسي الكردي، سامان منصور، إن "الحزب الديمقراطي الكردستاني غير سعيد بوجود حزب العمال في الإقليم ويرغب في التخلص منه".

ويضيف منصور لموقع "الحرة" أن "الحزب يمتلك علاقات مع شخصيات وأحزاب كردية أخرى، كما إنه موجود في سنجار وقاتل ضد داعش دفاعا عن المناطق الإيزيدية، وهو متواجد في مناطق حزب الاتحاد الكردستاني أيضا".

لهذا، وفقا لمنصور، "يفضل الحزب الديمقراطي الكردستاني الخلاص من هذا الحزب وتأثيره".

وشهد العام الماضي هجمات لحزب العمال الكردستاني راح ضحيتها عدد من مقاتلي البيشمركة الكردية التابعين لإقليم كردستان.

دفاع عن النفس

وتقول الحكومة التركية إنها تمتلك حقا للدفاع عن النفس بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.

ويعتقد الخبير السياسي عقيل عباس أن "تركيا تمتلك الحق القانوني بذلك". ويضيف عباس لموقع "الحرة" أن "جذر الموضوع التاريخي يعود إلى فترة نظام صدام، حيث كان هناك سماح شفوي لتركيا بتعقب مقاتلي حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي العراقية" حتى عمق معين.

وقال عباس "بعد سقوط نظام صدام حسين استمر هذا التفاهم، لكن الحكومة العراقية لا تجرؤ على إعلان ذلك".

وبحسب عباس فإن الاعتراف، أو توثيق التفاهم التركي العراقي بهذا الشأن يمكن أن يسبب حرجا دائما للحكومة العراقية لهذا فهي تفضل "تحمل حرج وقتي يدوم خمس أو ست أيام مع كل عملية تركية"، مضيفا أن الموضوع ليس أولوية كبيرة للحكومة العراقية بظل الأوضاع الجارية حاليا في بغداد".

لكن مستشار وزارة الدفاع السابق والمحلل الأمني، معن الجبوري، يقول في مقابلة مع "الحرة" إن "استنكار الحكومة العراقية واحتجاجها المتكرر يعلن أن أية اتفاقية عقدت سابقا بهذا الصدد هي غير سارية".

وقال الجبوري إن "تركيا أقامت 37 قاعدة عسكرية ثابتة، منتشرة على عمق أكثر من 100 كيلومتر داخل الأراضي العراقية بدون التنسيق مع الحكومة"، مضيفا أن "الشعب العراقي يتذمر بسبب مواقف الحكومة الخجولة تجاه انتهاك السيادة".

وعرضت وزارة الخارجية العراقية، بحسب تصريحات المتحدث باسمها "التنسيق الأمني بين الجانبين"، وقالت إن "من شأن ذلك أن يكفل مواجهة التحديات المشتركة لاسيما على طول الشريط الحدودي بين البلدين".

ويشير الجبوري إلى أن تركيا لم تقم بالتنسيق مع العراق بهذا الصدد، وهي تستمر في إطلاق العمليات العسكرية بدون التنسيق مع بغداد أو مع أربيل.

وتستند تركيا، بحسب عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني عماد باجلان إلى اتفاقية مبهمة مع النظام العراقي السابق عقدت في الثمانينيات تسمح لها بملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني إلى نحو 10 كيلومترات داخل الحدود العراقية.

ويقول باجلان لـ"الحرة" إن القواعد التركية صغيرة الحجم كانت موجودة أيضا وقت النظام السابق لحماية القوافل التجارية التركية المتجهة إلى بغداد، وأن هذا الوضع أعيد الاتفاق عليه عام 2007 خلال لقاء أردوغان برئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي في بغداد.

وبحسب باجلان فإن "حكومة إقليم كردستان طلبت مرارا من بغداد إعادة النظر بهذه الاتفاقية بشكل يخرج حزب العمال تماما من الأراضي العراقية وينهي المشكلة والاجتياحات التركية المستمرة".

وضع سياسي "هش"

وخلال الأشهر الماضية، شنت مجاميع عراقية مسلحة هجمات على القوات التركية بشكل متكرر.

وطالب القيادي في حركة "عصائب أهل الحق" العراقية المسلحة العضو في البرلمان، نعيم العبودي، "الحكومة العراقية باتخاذ كل الطرق التي من شأنها أن توقف هذا الاعتداء" التركي على السيادة العراقية

ولا يضيف التوغل التركي توترا إلى مناطق الشمال العراقي فحسب، بل إن وجود جنود أتراك داخل العراق يعقد الوضع الشائك أصلا في العاصمة بغداد كذلك.

وقال المحلل والصحفي العراقي، أمين ناصر، إن العراق ومنذ سقوط نظام صدام، يتمتع بعلاقة "التابع لدول الجوار، ذلك لسماح زعامته وكتله وقيادته للدول تلك بالتدخل في القرار السيادي والسياسي".

ويضيف ناصر لموقع "الحرة" أن "الهشاشة الحالية التي يصفها البعض بـ "الانسداد السياسي" في العراق وفقدان هوية الدولة من أعلى هرمها وصولا للوزارات المعنية بموضوعة التغول التركي مثل وزارتي الخارجية والدفاع، بالإضافة الى الزيارات المكوكية الأخيرة لنزع فتيل أزمة رئاسة الجمهورية والعلاقات الإثنية والحزبية والتحالفات واجتماعات أنقرة برعاية أردوغان وجهاز مخابراته، كل ذلك يفسر أسباب تأخر الحكومة العراقية في تقديم مذكرة احتجاج رسمية لدى مجلس الأمن تدين خلالها الاعتداء التركي على القرى الشمالية في العراق تحت ذريعة مطاردة حزب العمال الكردستاني".

لكن المحلل عقيل عباس يؤكد أن "من حق تركيا أن تتعقب الجماعات العسكرية التي تستهدفها من دولة أخرى مادامت تلك الدولة غير قادرة على كبح جماح تلك المجموعات".

ويعتقد عباس أن "العراق سيخسر" في حال اشتكى لدى الأمم المتحدة أو محكمة العدل الدولية.

وكانت القوات المسلحة التركية قد أعلنت مقتل اثنين من جنودها وعشرات المتمردين الأكراد منذ أن بدأت الأحد الحملة العسكرية الجديدة في شمال العراق، وهي الثالثة منذ العام 2020.

ويشن حزب العمال الكردستاني تمردا ضد الدولة التركية منذ العام 1984 أوقع عشرات آلاف القتلى.

ونقلت وكالة أنباء "الأناضول" عن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار قوله، إن "طائرات حربية وهليكوبتر ومسيرة تركية قصفت أهدافا ومعسكرات وأنفاقا وملاجئ ومخازن ذخيرة لمسلحين أكراد في شمال العراق"، في العملية العسكرية الحالية.

وقال إكار إن قوات خاصة "دخلت المنطقة عن طريق التسلل من البر "شاركت في العملية، التي قال إنها "استهدفت مناطق ميتين أوزاب وأفاشين-باسيان في شمال العراق."

وأشار إلى أن العملية كانت مدعومة أيضا بوحدات مدفعية.

النفط العراقي يباع للأردن بأسعار تفضيلية . أرشيفية
النفط العراقي يباع للأردن بأسعار تفضيلية . أرشيفية

تعالت في الأيام القليلة الماضية، الدعوات لوقف تزويد الأردن بالنفط العراقي بـ"أسعار تفضيلية"، على أساس أن ذلك يمثل "هدرا لموارد البلاد".

تلك الدعوات ليست جديدة، لكنها تجددت على وقع مشاركة الأردن في التصدي لصواريخ ومسيرات إيرانية كانت متجهة إلى إسرائيل الأسبوع الماضي.

والأربعاء، أعطى بيان أردني كويتي مشترك بشأن تنظيم الملاحة والحدود بين العراق والكويت، دفعة جديدة للحديث عن "ضرورة حرمان الأردن من النفط العراقي".

البيان الأردني الكويتي المشترك دعا، في ختام زيارة أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد، إلى الأردن، الأربعاء، ولقائه بالعاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني، إلى الالتزام باتفاقية الملاحة البحرية والحدود بين العراق والكويت.

وتداول مستخدمون لشبكات التواصل الاجتماعي البيان، وأرفقوه ببيانات عن كميات النفط التي يصدرها العراق للأردن بـ"سعر رمزي"، معتبرين أن سياسات عمّان "لا تتوافق مع سياسات بغداد".

وفي فبراير الماضي، جمع نائب في البرلمان العراقي توقيعات لإصدار قرار لإيقاف تصدير النفط للأردن، وسبق ذلك تصريحات من برلمانية عراقية في نوفمبر الماضي، قالت إن "مواقف الأردن دائما عدائية تجاه العراق، خصوصا مع هيئة الحشد الشعبي".

ما قصة اتفاق النفط العراقي للأردن؟

صورة أرشيفية تعود لعام 2019 قبل التوقيع على مذكرة التفاهم للأسعار التفضيلية للنفط بين الأردن والعراق. أرشيفية

المستشار الاقتصادي والمالي للحكومة العراقية، مظهر صالح، يوضح أن الأردن يستورد النفط العراقي منذ عشرات السنوات، ويعود تنظيم اتفاقيات في هذا الشأن إلى ما قبل عام 2003.

ويشرح في حديث لموقع "الحرة"، أنه منذ عام 1980 وحتى 1990، كانت المملكة الأردنية تحصل على حصص "بآلاف البراميل من النفط شهريا، والتي كانت تنقل برا، ضمن مساعدات من بغداد لعمان، إذ كان العراق حينها ودول الفائض النفطي العربي يقدمون المساعدات النفطية للدول غير المنتجة".

ويستطرد أنه "خلال الأعوام بين 1990 و2003، كان العراق يخضع لحصار اقتصادي فُرض من جانب مجلس الأمن الدولي، بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة". وأوضح أن الأردن كان البلد الوحيد الذي سُمح له بعقد اتفاقية "البروتوكول العراقي الأردني".

ويشير إلى أنه "سُمح بتبادل كميات من النفط الخام تنقله الشاحنات الأردنية بأسعار تتضمن خصما 15 في المئة عن الأسعار العالمية، إضافة إلى نحو 30 ألف برميل يوميا ترسل مجانا للأردن". وكان سقف البروتوكول لمقايضة النفط بالمنتجات الأردنية بحدود 450 مليون دولار سنويا.

وبعد عام 2003، أي بعد تغيير النظام السياسي في العراق، يقول صالح، ظلت "مصفاة التكرير الأردنية تعتمد على تكرير الخام العراقي بنوعية محددة، وكان ينقل من العراق للأردن عن طريق الشاحنات وبخصم على الأسعار بنحو 15 في المئة، والتي كان يبلغ متوسطها 250 ألف برميل شهريا".

وخلال 2006، وقّع الجانبان مذكرة تفاهم تقضي بتزويد 10 آلاف برميل نفط يوميا للأردن، بخصم يبلغ 18 دولارا عن السعر العالمي.

وفي عام 2008، تم تعديل مذكرة التفاهم لتصبح نسبة الخصم 22 دولار للبرميل.

وخلال الأعوام 2015 وحتى 2019، توقفت شحنات النفط العراقي الخام برا عبر الصهاريج، بعد سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على مناطق غربي العراق عام 2014.

وفي فبراير من عام 2019، وقّعت الأردن مذكرة تفاهم تستورد بموجبها المملكة النفط العراقي الخام، من حقول كركوك، بواقع 10 آلاف برميل يوميا، شكّلت 7 في المئة من الاحتياجات الكلية للمملكة حينها.

وفي أواخر 2019، عادت شحنات النفط العراقي للوصول للأردن، بموجب مذكرة التفاهم التي تسمح للمملكة بشراء النفط الخام من حقول كركوك العراقية بأسعار تعادل خام برنت، على أن يحسم منها كلف النقل وفرق المواصفات التي تتراوح 16 دولار للبرميل الواحد أقل من السعر العالمي.

وتقدر قيمة الخصم الممنوح بالأسعار التفضيلية، وهو 16 دولارا لكل برميل، بنحو 160 ألف دولار يوميا، أي أقل من 5 ملايين دولار شهريا، ونحو 58 مليون دولار سنويا، في حال استمرار توريد النفط من دون انقطاع بشكل يومي من العراق للأردن لكمية 10 آلاف برميل يوميا.

وفي مارس 2023، وافق مجلس الوزراء العراقي على تجديد العمل بمذكر التفاهم التي تزود الأردن بالنفط الخام بالأسعار التفضيلية.

الخبير الاقتصادي العراقي، نبيل المرسومي، وضع ملخصا لتزويد العراق الأردن بالنفط وآلية التسعير، التي كانت تضم كميات مجانية أو بخصومات.

ويقول الأكاديمي في منشور عبر حسابه في فيسبوك، إن "العراق كان يصدر إلى الأردن في زمن النظام السابق 100 ألف برميل يوميا نصفها بالمجان والنصف الآخر بأسعار تفضيلية. وفي عام 2006 وقعت (الحكومة العراقية والأردن) مذكرة تفاهم لتجهيز ونقل النفط العراقي الخام للأردن بـ10 آلاف برميل يوميا من النفط الخام، ترتفع إلى 15 ألف برميل، لتتم زيادتها مستقبلا إلى 30 ألف برميل بخصم يصل إلى 18 دولارا للبرميل عن السعر العالمي.. سعر نفط خام برنت تم زيادته في عام 2008 إلى 22 دولارا للبرميل بدلا من 18 دولارا للبرميل".

ويضيف: "المذكرة التي وُقعت بين الجانبين في 2 فبراير 2019، التي يصدر فيها العراق إلى الأردن 10 آلاف برميل يوميا، هي نسخة طبق الأصل من المذكرة السابقة، باستثناء أن المعادلة السعرية هي أقل بدولارين، فبدلا من الـ18 دولارا تم الاتفاق على 16 دولارا أقل من سعر نفط برنت (أقل من 13 دولار تقريبا عن متوسط سعر بيع النفط العراقي في الأسواق العالمية) تغطي كلفة النقل ما بين كركوك والزرقاء، مع الفروق في نوعية نفط خام كركوك عن نفط خام برنت. وقد تمت مؤخرا زيادة الكمية المصدرة إلى الأردن إلى 15 ألف برميل يوميا".

الخبير المالي والاقتصادي الأردني، وجدي مخامرة، يقول إن "العلاقات الأردنية العراقية متجذرة على مدار الأنظمة السياسية خلال العقود الماضية"، مشيرا إلى أن "المملكة طالما كانت داعمة للعراق في جميع مراحله".

ويوضح في رد على استفسارات موقع "الحرة" أن "النفط العراقي ساهم في سنوات سابقة في الحفاظ على أسعار محروقات مقبولة في السوق الأردنية، لكن خلال العقدين الماضيين، ومع الارتفاعات العالمية، والضرائب الخاصة التي تفرض على المشتقات، لا يشعر المواطن بالنهاية بأثر الخصومات في أسعار النفط".

ويبدي مخامرة استغرابه من "استخدام النفط بأسعار تفضيلية كورقة ضغط ترتبط بملفات سياسية"، مشيرا إلى أن موقف الأردن طالما كان داعما للقضايا المرتبطة بالعراق، لكن على ما يبدو أن تيارات أو ميليشيات موالية لإيران لا ترغب باستمرار العلاقات الاستراتيجية بين البلدين". 

القضاء العراقي يقول كلمته

جودة النفط العراقي تتناسب ومصفاة تكرير البترول في الأردن, أرشيفية

وفي مطلع يناير الماضي، تقدم 9 محامين بدعوى ضد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوادني، لوقف تصدير النفط العراقي للأردن، باعتباره "هدرا لأموال البلاد"، وذلك بعد ضربات أميركية استهدفت ميليشيات عراقية.

وأواخر العام الماضي، منعت ميليشيات وفصائل عراقية صهاريج محملة بالنفط من العبور للعودة إلى الأردن، وهددوا بحرق الصهاريج.

الباحث الاقتصادي العراقي، عبد السلام حسين، يقول إن "العقود النفطية طالما أنها موقعة مع الحكومة العراقية، تعتبر نافذة حتى لو كانت هناك اعتراضات عليها".

ويؤكد في رد على استفسارات موقع "الحرة" أن من حق المحامين أو مواطنين رفع دعاوى بما يرونه تبذيرا، لكن "المحكمة الاتحادية قالت كلمتها الفاصلة في هذا الإطار".

ويدعو الباحث الاقتصادي إلى "عدم خلط الملفات الاقتصادية والسياسية بعضها ببعض"، إذ يعترض البعض على ما يرونه "ممارسات سياسية أردنية لا تتماهى مع ما يرونه مناسبا"، قائلا: "في النهاية يجب عدم التعرض للاتفاقيات والعقود الدولية الملزمة".

وأشار حسين إلى أن الدستور يتيح إلغاء الاتفاقيات الدولية أو مذكرات التفاهم، لكن "تحتاج إلى أسباب موجبة، ومعرفة الأثر المالي الذي قد يقع على البلاد في حال وجود شروط جزائية"، لافتا إلى إمكانية "تعديل مذكرات التفاهم عند تجديدها".

وقال المحامون في الدعوى التي رفعوها في المحكمة الاتحادية، إن الاتفاق الموقع في 2021 "أدى إلى خسارة العراق نحو 1.5 مليون دولار شهريا".

ورفضت المحكمة الاتحادية الدعوى، وطعنت في فرق السعر الذي ذكره المحامون، مشيرة إلى أن الانخفاض في السعر عن خام برنت، "يعود لانخفاض جودته"، حسب مذكرة التفاهم الموقعة بين البلدين.

"الأسعار التفضيلية" والمصالح الاقتصادية

النفط العراقي يغطي 15 في المئة من احتياجات السوق الأردنية

وأشارت المحكمة الاتحادية في قراراها في يناير، إلى أنه "لا يوجد ضرر مالي على العراق (بسبب الأسعار التفضيلية للنفط للمملكة) مع الأخذ بعين الاعتبار التسهيلات التي قدمها الجانب الأردني من خلال تخفيض الرسوم والفوائد على البضائع العراقية المستوردة عبر ميناء العقبة".

وفي 2021، تم تجديد مذكرة التفاهم بين العراق والأردن بتصدير 10 آلاف برميل يمكن زيادتها باتفاق الطرفين، بخصم يبلغ 16 دولار للبرميل.

وخلال الأشهر الماضية، رفع العراق الكميات التي يزود الأردن فيها بأسعار تفضيلية إلى 15 ألف برميل يوميا، والتي تسد نحو 15 في المئة من حاجة الأردن اليومية للنفط، وبسعر خصم يبلغ 16 دولار للبرميل.

وتبلغ قيمة هذا الخصم نحو 240 ألف دولار يوميا، أي حوالي 7.2 مليون دولار شهريا، أي ما يزيد عن 86 مليون دولار سنويا على افتراض عدم انقطاع حركة التصدير.

ويقول الأكاديمي والخبير الاقتصادي العراقي، نبيل المرسومي، إنها تؤثر على المصالح الاقتصادية العراقية الأردنية "إذا صحت الأخبار عن مشاركة سلاح الجو الأردني بقصف مواقع عراقية" مطلع العام الحالي.

وتضم هذه المجالات "أسعار النفط التفضيلية التي تحصل عليها المملكة، ناهيك عن العلاقات التجارية بين البلدين". وتاليا تفاصيلها حسب منشور للمرسومي عبر حسابه في فيسبوك:

1- بيع العراق للأردن حوالي 15 ألف برميل يوميا بأسعار تقل 16 دولار عن سعر خام برنت.

2- إعفاء عدد كبير من السلع الأردنية المصدرة إلى العراق من الرسوم الجمركية.

3- يصدر الأردن إلى العراق سلعا بقيمة 640 مليون دولار تشكل حوالي 45 في المئة من إجمالي الصادرات الأردنية إلى الخارج.

4- يمنح الأردن تسهيلات للبضائع العراقية المستوردة عن طريق العقبة التي مقصدها النهائي العراق خصما مقداره 75 في المئة من رسوم المناولة التي تتقاضاها سلطة العقبة الاقتصادية وهو ما أثر سلبيا على حجم التجارة الخارجية عبر الموانئ العراقية.

5- هناك مشروع للربط الكهربائي بتزويد الأردن العراق بـ 150 ميغاواط في المرحلة الأولى ثم 500 ميغاواط في المرحلة الثانية، فـ900 ميغاواط في المرحلة الثالثة.

6- يجري التخطيط لبناء مدن صناعية ومناطق للتجارة الحرة بين العراق والأردن لتنشيط التبادل التجاري بينهما وتطوير الصناعة فيهما.

7- إجهاض الاتفاقية الإطارية لأنبوب النفط العراقي–الأردني والذي سيمتد من البصرة عبر حديثة إلى العقبة.

مصالح متبادلة وراء أسعار النفط التفضيلية

الخبير الأردني في قطاع النفط، عامر الشوبكي، يقول إن العراق منذ بداية إنتاجه للنفط في مطلع القرن العشرين، "كان دائما يبحث عن بدائل لتصدير الخام، ليجد ضالته عبر تصديرها برا عبر الأردن، ومن ثم نقلها في البحر من ميناء العقبة الأردني".

ويوضح لموقع "الحرة"، أن "العراق في تلك الفترة كان يكافئ الأردن بمنحه كميات مجانية، وكميات بأسعار تفضيلية، في المقابل سمح بتصدير النفط العراقي عبر الميناء الأردني، إذ استمر ذلك حتى عام 2003".

وخلال السنوات الأولى بعد 2003، يستطرد الشوبكي أنه "بسبب عدم الاستقرار الأمني في العراق في وقت الحرب، استمر تصدير النفط عبر الأردن، بالإضافة لتصديره عبر ميناء البصرة النفطي".

ويكشف الشوبكي أن الأسعار التفضيلية للنفط العراقي لها أسباب أخرى "ترتبط بجودة ونوعية الخام العراقي من بعض مصادر الإنتاج، إضافة إلى تحملهم تكلفة النقل والتخزين من كركوك فيما لو كانت ستصدر من ميناء البصرة، أو ما تسمى بعلاوة المورد، بحيث يكون السعر صافي من مصدر الإنتاج وحتى مصفاة النفط الأردنية، وهذا لا يعني خسارة العراق".

ويؤكد أن الحكومة العراقية بالنهاية "لا تخسر أو تتحمل تكاليف من البيع بأسعار تفضيلية للأردن، فما يتم خصمه بالسعر عادة ما يمنح ضمن علاوة المورد، والأردن بالنهاية يستفيد بمعدل 9 دولارات لكل برميل نفط من العراق".

ويلفت الخبير إلى أن النفط العراقي "يغطي حوالي 15 في المئة من حاجة السوق الأردنية"، وفي حال توقف النفط العراقي "تقدر خسارة الحكومة الأردنية بـ49 مليون دولار، وسيؤثر هذا الأمر على قطاع الشحن حيث تعمل مئات صهاريج النفط في الأردن والعراق".

وكان الأردن والعراق وقعا في التاسع من أبريل 2013  اتفاقا لمد أنبوب بطول 1700 كلم لنقل النفط من البصرة إلى مرافئ التصدير بالعقبة، بكلفة نحو 18 مليار دولار وسعة مليون برميل يوميا، وفق وكالة فرانس برس.

ويفترض أن ينقل الأنبوب النفط الخام من حقل الرميلة العملاق في البصرة 545 كلم جنوبي بغداد إلى مرافئ التصدير في ميناء العقبة 325 كلم جنوبي عمان.

ويأمل العراق، الذي يملك احتياطيا نفطيا يقدر بنحو 143 مليار برميل، في أن يؤدي بناء هذا الأنبوب إلى زيادة صادراته النفطية وتنويع منافذه.

وفي مارس، أعلن العراق عن خط للربط الكهربائي مع الأردن، وتدشين خط كهرباء يسمح له باستيراد الطاقة.

ويشير الخبير النفطي الأردني، الشوبكي، إلى أنه منذ بداية الحرب في غزة "نشطت تيارات سياسية موالية لإيران لاستغلال أي فرصة لإثارة مسألة بيع النفط العراقي بأسعار تفضيلية للأردن، ليس لأسباب ترتبط بالمصالح العراقية بقدر ما هي تنفيذا لأجندات ليست بالعراقية على الإطلاق".

ويقول مستشار رئيس الوزراء العراقي، صالح، إن "قوى في الرأي العام العراقي لا ترى مبررا للامتياز الممنوح الأردن بالأسعار التفضيلية للنفط"، لكن "الوضع العربي العام، ولكون العراق دولة غنية بالموارد النفطية، فإن عليه أن يمد يد المساعدة والعون إلى جيرانه من الدول مثل الأردن، وحتى لبنان التي ساعدتها بغداد كثيرا لحل أزمة نقص وقود الكهرباء لديها خلال السنوات الماضية، بتقديم حسومات على أسعار النفط".