أحسن

معارف، عادات و مهارات لحياة أحسن

الذكاء العاطفي

التنافر المعرفي: عندما لا تتسق افعال الشخص مع قناعاته

التنافر المعرفي هو الحالة التي تحدث للشخص عندما يكون لديه تضارب فيما بين أفكاره و قناعته، أو بينها -الأفكار و القناعات- وبين سلوكياته وتصرفاته. في هذا المقال نستعرض قصة توضح ذلك المفهوم و كيف يمكن للشخص التعامل معه.

خطأ فادح من صديق

في العام 1985 أُعلن في البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكي رونالد ريقن لديه جولة في أوروبا و خلال تلك الجولة سيزور مقبرة عسكرية في ألمانيا مدفون فيها أفراد من الجيش الالماني قتلوا خلال أو بعد الحرب العالمية الثانية. و كما هو متعارف في مثل تلك الزيارة، فإن على ريقن وضع أكليل زهور على المقبرة كتعبير عن تخليد ذكري المدفونين فيها.

معروف عن اليهود كرههم الشديد للنازية  بسبب الإبادة الجماعية لليهود من قبل الألمان خلال فترة الحرب العالمية الثانية (الهولوكوست). لذلك، خبر تلك الزيارة استفز مشاعر الكثيرين منهم و من قادتهم على مستوى العالم..  خصوصاً عندما أُعلن كذلك أن ريقن قرر عندما يذهب إلى المانيا الغربية،  أنه لن يزور واحداً من أشهر معسكرات الاعتقال الذي يعتبره اليهود من أهم المعالم المرتبطة بالهولوكوست. عدم زيارة ذلك المعسكر اعتبر اليهود أن فيها رمزية لعدم إدانة النازيين و عدم استنكار للإبادة.

البيت الأبيض برر بإن الزيارة في اطار التصالح مع أوروبا.

لكن السخط و الغضب على ريقن وصلا مراحلاً بعيدة بعد أن عرف الناس أن المقبرة العسكرية التي سيزورها مدفون فيها 2000 فرد من وحدة الحرس الخاص لهتلر التي كانت مسؤولة عن غالب عمليات الإبادة.

ريقين تعرض لانتقادات شديدة و لاذعة. إلى أن اضطر أن يغيِّر في موقفه و أعلن  أنه سيزور معسكرات الاعتقال.

بالرغم من ذلك ما زال الناس غاضبين عليه لأنه سيزور المقبرة الألمانية.

تقريبا كل القادة اليهود كان موقفهم متشابه من حيث السخط الشديد على ريقن. ما عدا شمعون بيريز رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتها. 

بيريز عندما سألوه عن رأيه عن موقف ريقن،  كان غير راضي عن ذلك الأمر، لكن انتقاده كان أقل حدة بكثير من بقية القادة اليهود.  قال مقولة مهمة للغاية،  قال:

“When a friend makes a mistake,  it is still a mistake.  And a friend is still a friend”

 “عندما يرتكب الصديق خطأ،  يظل الخطأ خطأ،  و الصديق يظل صديقاً”

قال:” ريقين ما زال صديقي،  و أنا ما زلت على موقفي أني أتأسف جداً على قرار زيارة المقبرة العسكرية. ريقين صديق و داعم لليهود و لإسرائيل،  لكن هذه المرة لم يكن موفقاً”.

المهم،  في نهاية الأمر، ذهب ريقن وزار المقبرة و جامل اليهود بأن قام كذلك بزيارة معسكر الاعتقال.. لكن، كل هذا لا يعنينا….. 

هذه القصة أوردتها من أجل الجملة الأخيرة: “يظل الخطأ خطأً و الصديق يظل صديقاً” هذه جملة مهمة للغاية.. 

بهذه الطريقة بيريز حاول أن يخرج نفسه من حالة حساسة جداً يمر بها الشخص في أحيان كثيرة عندما يريد اتخاذ قرار ما. وهي ما يحصل للشخص عندما يكون متبنياً لفكرتين (معتقدين) متناقضتين. في علم النفس تسمى هذه الحالة التنافر المعرفي cognitive dissonance. 

التنافر المعرفي: تناقض بين المعتقدات، الأفكار، و السلوك

التنافر المعرفي يحدث للشخص عندما يكون لديه تناقص بين الأفكار و القناعات والمعتقدات فيما بينها. أو حتى بينها وبين سلوكياته و تصرفاته.

مثال للتناقض بين الأفكار هي الحالة التي كان فيها شمعون بيريز قبل أن يحلها و شكلها كالتالي:

الفكرة 1

زيارة ريقن خطأ و فيها إساءة و عدم تقدير لليهود.

الفكرة 2

ريقين صديق لليهود و الصديق يجب أن يحترم اصدقاءه و يقدرهم دائماً.

أما التنافر بين الأفكار و السلوك،  يكون مثل الحالة أدناه:

الفكرة أو القناعة

الشخص تكون لديه قناعة أو على الأقل احساس أن التدخين مضر للصحة. 

السلوك

مع ذلك، نجد ذلك الشخص يدخن السجائر.

الشخص عندما يحصل له التنافر المعرفي، يشعر بضيق وعدم راحة (أو فلنقل: تأنيب ضمير) و هنا يبدأ عقله (اللاواعي) في حل مشكلة ذلك التناقض و التضارب. وعموماً، الحل يكون إما بتغيير الفكرة (أو واحدة من الأفكار) أو بتغيير السلوك.

 

لابد من تغيير 

في مثال موقف بيريز،  على سبيل المثال، الحل كان يمكن أن يكون كالتالي:

يبدأ بيريز في تغيير الفكرة الأولى و يقول: “أصلاً الزيارة هذه ليست خطأً كبيراً.. ففي نهاية المطاف، هي تندرج ضمن العمل الدبلوماسي. الأمر الآخر، موضوع الإبادة أصبح تاريخاً و قد آن للناس أن يتجاوزه” المعنى، أن يقوم بيريز بالبحث عن مبررات لكي يبرئ صديقه من الخطأ. عندها، تصبح الفكرتان متسقتان، الزيارة ليست خطأ، و ريقين صديقنا.

في المقابل، كان يمكن لبيريز أن يغيِّر في الفكرة التانية، و يقول:

“ريقن هذا ليس صديقاً حقيقياً. بل هو شخص جبان و خبيث وأنا ألاحظ أنه منذ فترة أصبح يعمل ضد مصالحنا” بهذا النحو، تصبح الفكرتان متسقتان كذلك، الزيارة خطأ، و ريقن أصلاً لا تهمه مصلحتنا.

هل أي تغيير يفي بالغرض؟

صحيح الشخص عندما يغيِّر واحدة من الأفكار أو السلوكيات يمكن أن يصل إلى اتساق يشعره بالراحة. لكن المشكلة تحدث إذا لم يكن ذلك التغيير الذي قام به الشخص مدروساً أو لم يقم به بشكلٍ واعي.

للأسف، في هذه الحالة يمكن أن يترتب على ذلك التغيير تبعات ليست محمودة العواقب!

على سبيل المثال، الشخص الذي لديه تنافر معرفي في موضوع التدخين. لكي يحل ذلك التنافر، إما أن يغيِّر سلوكه بأن يترك التدخين، و إما أن يغيِّر في أفكاره و قناعاته وهو ما يحدث غالباً.

ذلك الشخص يبدأ يحدث نفسه و مقتنعاً لها قائلاً: “نعم، ربما يكون التدخين مضراً، لكن الضرر يحدث عندما يكثر الشخص من التدخين و أنا -الحمدلله- لا أدخن أكثر من 10 سيجارات في اليوم”!..

بعدها يفكِّر و يقنع نفسه قائلاً: “أصلاً التدخين ليس مضراً جداً، أنظر، ذلك جدي يدخن منذ 80 عاماً و لم يحدث له أي شي”

وغير ذلك من الأفكار التي في نهاية المطاف تجعل ذلك الشخص متصالحاً تماماً مع التدخين.

إذا عدنا لمثال بيريز، في الواقع بيريز لكي يحل التنافر المعرفي الذي حصل له. قام بتعديل في الفكرة الثانية أخرجه من المأزق..

التعديل الذي علمه هو أن قال: “صحيح ريقن صديقنا وتهمه مصلحتنا..  لكن هذا الصديق يمكن أن يخطئ.. و هذا الخطأ يمكن أن يكون سببه سوء التقدير..

الخلاصة

خلاصة القول.. الواحد منا لابد أن يفكر قليلاً في تصرفاته ويعرف مافي الأفكار التي تحركها و يعرف دوافعها.

ويتحقق ما إذا كانت بعض تصرفاته  نابعة من محاولة غير مدروسة للتخلص من تنافر معرفي حصل له.

وإذا انتبه الشخص أنه يمر بحالة تنافر معرفي، عليه أن يتأنى ويحدد و يعرف ما هي الأفكار الرئيسية المتعلقة بذلك التنافر و يبدأ في تحليلها ومراجعتها، و يحدد ما إذا كانت تلك الأفكار صحيحة في المقام الأول و من ثم يبدأ في محاولة معالجة التنافر المعرفي.

أهمية مراجعة الأفكار تنبع من أن الفكرة الأولى التي سببت التنافر إن لم تكن سليمة، فإن الشخص سيدخل في دوامة. في كل مرة يحصل له تنافر سيقوم بالعمل على الرجوع للاتساق من تلك الفكرة الخاطئة.

أخيراً، أترككم مع هذا الفيديو الذي يشرح موضوع التنافر المعرفي بشكل شيق.