الإمارات تسحب قواتها من اليمن... وقد تبقى فيها!

استخدام الحوثيين الفعال للمقذوفات الصاروخية والطائرات المسيّرة، مكّنهم من نقل جزء من الحرب من اليمن، والمناطق الحدودية إلى المدن السعودية نفسها. ثم أن طبيعة المدن والمناطق السكنية الحديثة في الإمارات تجعلها أكثر هشاشة، وأقل أماناً مما هو حال المدن السعودية، في حال صارت أهدافاً عسكرية.
2019-08-20

عبد الهادي خلف

أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة لوند ـ السويد، من البحرين


شارك
سلافة حجازي - سوريا

في بداية تموز/ يوليو الماضي نشرت وكالات الأنباء، ومواقع التواصل الاجتماعي أخباراً عن اعتزام الإمارات سحب جزء من قواتها التي تقاتل في اليمن. إلا أن المصادر الرسمية الإمارتية سعت فيما بعد للتخفيف من تداعيات الحدث، بالتأكيد على أن الأمر لا يعدو أن يكون "إعادة انتشار للقوات"، وأنها ما زالت ملتزمة بدورها في التحالف السعودي – الإماراتي، ولن تترك فراغاً في اليمن.

على الرغم من مرور عدة أسابيع على تلك الأخبار، فما زال من غير الممكن التحقق من مدى جدية القرار الإماراتي، سواء أكان يتعلق بانسحاب كامل لقواتها، أو كان إعادة انتشار لجزء منها. بالمقابل هناك مبررات معقولة للتشكيك في جدية القرار. فهذه ليست المرة الأولى التي تعلن فيها الإمارات "انتهاء حرب اليمن". فقبل ثلاث سنوات، صدرت تصريحات مماثلة عن مختلف مستويات المسؤولين الإماراتيين تعلن "انتهاء الحرب بالنسبة لهم". بل إن وكالات الأنباء تناقلت تصريحات لولي عهد أبو ظبي (في 16/6/2016) - وهو الحاكم الفعلي لبلاده، والمسؤول الأول عن قواتها المسلحة - يعلن فيها أن "الحرب عملياً انتهت لجنودنا". وأن بلاده ترصد "الترتيبات السياسية، ودورنا الأساسي حالياً تمكين اليمنيين في المناطق المحررة".

كان إعلان انتهاء الحرب في 2016 جزءاً نافعاً من جهود الإمارات لتحسين مغانم مشاركتها في الحرب اليمنية. فعلى الرغم من تلك التصريحات الرسمية، فإن العمليات العسكرية التي تقوم بها القوات الإماراتية مباشرة، أو عبر مختلف التشكيلات التابعة لها في اليمن لم تتوقف مذاك. أما ما توقف من العمليات العسكرية، فكان ذلك الجزء الاستعراضي منها، أي الذي شارك فيه أولاد الشيوخ، والأمراء وقامت أجهزة الإعلام الرسمية، ووسائل التواصل الاجتماعي ببثه تخليداً لمغامراتهم هناك.

قرارٌ متأخر وناقص

كان الواجب إعلان وقف الحرب في اليمن بعد انقضاء الأسبوع الأول من بدئها. فحينذاك، أي بعد أسبوع من انطلاق "عاصفة الحزم" في 26 آذار/ مارس 2015، كان من الواضح أنها لن تحقق أياً من الأهداف المرجوة منها لكلٍ من الشريكين السعودي والإماراتي. فعشية إعلان حرب اليمن، لم تكن لدى الإمارات، ولا لدى السعودية القدرات الاستراتيجية - بما فيها القدرات العسكرية والسياسية - التي تؤهلهما للانتصار على الحوثيين. ناهيك عن تغيير موازين القوى في الخليج العربي، أو في منطقة الشرق الأوسط عموماً. لا يكفي الطموح، خصوصاً إذا كان لا يستند إلى تقييم واقعي للإمكانيات والقدرات، بل إن الطموح قد يتسبب في كوارث كالتي شهدناها طيلة السنوات الأربع الماضية، وكالتي سنشهدها في حال استمرت الحرب.

على الرغم من مرور عدة أسابيع على أخبار انسحاب القوات الإماراتية من اليمن، فما زال من غير الممكن التحقق من مدى جدية القرار الإماراتي، سواء تعلق الأمر بانسحاب كامل لقواتها، أو بإعادة انتشار لجزء منها.

ولم يتغير الحال بعد أكثر من أربع سنوات ونصف السنة من تدمير اليمن، وهدر طاقات وثروات بلدان المنطقة. فلم يتمكن التحالف السعودي الإماراتي من هزيمة الحوثيين، بل لم يستطع حتى تأمين إعادة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، وحكومته من الرياض إلى عدن، أو غيرها من المدن الواقعة تحت السيطرة الإسمية للتحالف، بينما هي تحت سيطرة واحدة من عشرات الميليشيات التي جندتها الإمارات ودربتها لاستخدامها حين اقتسام غنائم حرب اليمن.

أدى الغموض الذي ما زال يحيط بقرار الإمارات الأخير إلى بروز تكهنات متباينة تتراوح بين الإدانة والترحيب. فمن جهة لا يستبعد محللٌ يمني أن يكون قرار الانسحاب نتيجة "تفاهمات إيرانية - إماراتية، بحيث تحكم جماعة الحوثي بعض المناطق الشمالية، وتحكم ميليشيات "المجلس الانتقالي" التابعة لأبو ظبي بعض المناطق الجنوبية والشرقية". فالإمارات، حسب هذا المحلل، تنفذ أجندات دول غربية ربما قد أوعزت لها "بالانسحاب التدريجي من اليمن من أجل توريط السعودية في الملف اليمني أكثر مما هو حاصل الآن تمهيدًا لإسقاط السعودية وتقسيمها"(1).

يتكرر هذا التفسير، على الرغم من غرابته، في عددٍ من تعليقات المحللين اليمنيين التي تشير أيضاً إلى أن سحب القوات الإماراتية من خطوط المواجهة، يأتي في وقت تعاظمت فيه الهجمات على الحدود السعودية وداخلها.

كان إعلان "انتهاء الحرب" في 2016 جزءاً نافعاً من جهود الإمارات لتحسين مغانم مشاركتها في الحرب اليمنية. فعلى الرغم من تلك التصريحات الرسمية، لم تتوقف مذاك العمليات العسكرية التي تقوم بها هناك القوات الإماراتية، مباشرة أو عبر مختلف التشكيلات التابعة لها.

على الطرف الآخر، يدافع محللٌ مشهور في الإعلام الإماراتي عن انسحاب قوات بلاده من اليمن، بعد أن أدّت "واجبها القومي على أكمل وجه، وربما أكثر من غيرها [...] ودفعت ثمن هذه المشاركة باهظاً، وحتماً أكثر من غيرها، بشرياً ومادياً ومعنوياً وسياسياً". فقرار سحب القوات يأتي بعد "أن ساهمت أكثر من غيرها في تحقيق انتصارات عسكرية، بما في ذلك تحرير أهم المدن والموانئ، وكانت على وشك تحرير مدينة وميناء الحُديدة، وبعد أن قامت بإعداد وتدريب وتمويل آلاف الجنود وتزويد المقاومة الشعبية بأحدث المعدات والأسلحة". وحسب ذلك المحلل الإماراتي، فإن قرار بلاده "سيشكل لحظة فارقة [...] فمشاركة الإمارات في حرب اليمن لم تكن مشاركة رمزية وعابرة، بل كانت فاعلة وفعالة ومن الصعب الاستغناء عنها أو استبدالها بسرعة وبسهولة"(2). وبهذا المعنى، فإن قرار الانسحاب هو بادرة حسن نية سـتوفر أرضية خصبة ومناسبة لإنهاء الحرب في اليمن إنْ أحسن الحوثيون والإيرانيون استقبالها.

لا يمكن الاستخفاف بوجهتي النظر المشار إليهما. إلا أنهما لا تكفيان لتفسير توقيت إعلان قرار الإمارات سحب قواتها من اليمن. كما لا تكفيان لتفسير طابع المفاجأة فيه، وبدون التشاور مع الشريك السعودي في قيادة الحرب.

الطائرات المسّيرة، ورعب "مدن الملح"

تحولت هجمات الحوثيين بالمقذوفات الصاروخية، وبالطائرات المسيّرة من ضرب جيزان وأبها وغيرها من المناطق السعودية القريبة من الحدود، إلى استهداف متكرر لمناطق في العمق السعودي. وفي السنتين الأخيرتين نجح الحوثيون في استخدام المقذوفات الصاروخية لضرب مواقع استراتيجية بما فيها محطات ضخ النفط والغاز. وفي بداية 2018، نجح الحوثيون في توجيه صاروخ باليستي ضرب مطار الملك خالد في الرياض التي تبعد أكثر من ألف كيلومتر عن صنعاء.

تمكّن الحوثيون، بفضل استخدامهم الفعال لتلك المقذوفات الصاروخية والطائرات المسيّرة، من نقل جزء من الحرب من اليمن والمناطق الحدودية إلى المدن السعودية. كما استطاعوا في الوقت نفسه إيصال رسالة ضمنية تقول بأن أبو ظبي وغيرها من مدن الإمارات لن تكون في مأمنٍ ما دامت الحرب مستمرة. خاصة وأن طبيعة المدن والمناطق السكنية الحديثة في الإمارات، تجعلها أكثر هشاشة وأقل أماناً في حال صارت هدفاً عسكرياً. وهذا بالفعل ما أراد توصيله إعلان الحوثيين عن استهدافهم مطار أبو ظبي بطائرة مفخخة في 27 تموز/ يوليو من العام الماضي.

نفى الإماراتيون الخبر، فأعاد الحوثيون تأكيده. والرسالة وصلت بوضوح إلى قادة الإمارات، وربما تكون قد أسهمت في تعجيل قرارها بسحب قواتها، أو "إعادة انتشارها".

_____________
1- د. عادل دشيلة "لهذه الأسباب انسحبت الإمارات من اليمن تدريجياً" (ساسة بوست 17/7/2019)
2- د. عبدالخالق عبد الله "دوافع سحب الإمارات لقوات من اليمن" (سي إن إن بالعربي 14/7/2019)

مقالات من الإمارات

للكاتب نفسه

خيبة م ب س الاقتصادية

كان النزاع المدمر على سوق النفط، ودور السعودية - وبخاصة محمد بن سلمان- في تأجيجه، مقامرة وحماقة في آن. فإن كانت السعودية تخسر 12 مليون دولار يومياً مقابل كل دولار...