مقتل تاير نيكولز.. ما تداعيات الحادثة؟ وفيم تختلف عن جورج فلويد؟

سلط حادث مقتل شاب أمريكي على يد شرطة مدينة ممفيس الضوء من جديد على التعامل العنيف للشرطة الأمريكية مع أصحاب البشرة السوداء.

وأعاد الحادثة للأذهان وفاة جورج فلويد في العام 2020، في ملابسات مماثلة، أثار انتقادات واسعة، وتحولت إلى حملة واسعة للمطالبة بحقوق الأمريكيين ذوي الأصول الإفريقية.

اعتداء في أثناء محاولة الاعتقال

توفى شاب أمريكي أسود البشرة، بعد اعتداء شرطة ممفيس بولاية تينيسي، في أثناء محاولة اعتقاله، وأظهرت مقاطع مرئية التقطتها كاميرات الضباط المحمولة، اعتداء غير مبرر على الشاب البالغ من العمر 29 عامًا.

وفق ما جاء في تقرير لشبكة “سي إن إن” الأمريكية الإخبارية، يوم السبت 28 يناير 2023، يدعى الشاب الأمريكي، تاير نيكولز، وتوفى بعد 3 أيام من الاعتداء عليه في أثناء محاولة إيقافه، بزعم تجاوزه السرعة القانونية.

غضب واسع

لم يبد الشاب الأسود أي مقاومة، في حين استخدم الضباط رذاذ الفلفل وصاعق كهربي، ووقعت محاولة الاعتقال على مرتين، حين حاول الشاب الفرار بعد الاعتداء عليه.

وأثارت مشاهد الاعتداء على الشاب الأمريكي، التي نُشرت الجمعة، غضبًا واسعًا، ووصفها متابعون بـ”العنف غير المبرر”، وأظهر المشهد الشاب الأمريكي، الذي كان مُستسلمًا تمامًا، يصرخ مستغيثًا “أمي أمي”، وتوفي نتيجة نزيف حاد ناجم عن الضرب المبرّح، وفق ما أعلنته السلطات المختصة.

مظاهرات غاضبة

على إثر نشر فيديو الحادث، توقعت السلطات اندلاع أعمال عنف، لكن المظاهرات التي اندلعت كانت سلمية، وطالب المحتجون بـ”العدالة للسود”، وتشهد الولايات المتحدة من حين لآخر موجات من العنف، على إثر اعتداءات الشرطة على الأمريكيين من أصل إفريقي.

وأغلق المتظاهرون، الذين تجمهورا يوم الجمعة، الطريق السريع، وهم يهتفون ضد ممارسات الشرطة، ودعت عائلة القتيل المتظاهرين للحفاظ على سلمية الاحتجاجات، بالمدينة التي يمثل السود 65% من إجمالي عدد سكانها.

حياة السود مهمة

شارك في الاحتجاجات أعضاء حركة “حياة السود مهمة”، وهي حركة مناهضة للاعتداءات العنصرية، وتنتشر في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وتأسست عام 2020، في أثناء حكم الرئيس السابق، دونالد ترامب. بعد مقتل جورج فلويد بولاية مينيابوليس، بعد اعتداء الشرطة عليه، واندلعت آنذاك احتجاجات واسعة النطاق، شهدت أعمال شغب.

لكن المظاهرات التي اندلعت هذا الأسبوع، بعد مقتل تاير نيكولز، بدت سلمية إلى حد كبير، وجرت في أتلانتا وواشنطن وساكرامنتو، في حين قالت شرطة مدينة نيويورك إن 3 أشخاص ألحقوا أضرارًا طفيفة بمركبة للشرطة خلال الاحتجاجات.

فصل المتهمين

فصلت الشرطة الضباط الـ5 المتهمين بالاعتداء، وهم من أصحاب البشرة السوداء، ويخضعون في الوقت الحالي للتحقيقات بتهمة القتل من الدرجة الثانية، والاعتداء وإساءة استخدام السلطة، لكن جرى الإفراج عن 4 منهم بكفالة، وما زالت التحقيقات مستمرة.

وقالت السلطات المحلية إنها حلت مجموعة العقرب، وهي قوة شرطية تعمل بالمدينة، وينتمي إليها أفراد من المشاركين في الاعتداء على الشاب، في خطوة لاقت إشادة من السكان المحليين، وفق وكالة أنباء رويترز.

اعتداء على الإنسانية

أعرب الرئيس الأمريكي، جو بايدن، عن ألمه بعد وقوع الحادث، مشددًا على أن الحادث “تذكير مؤلم بضرورة بذل المزيد من الجهود لتحقيق العدالة، والمعاملة المتساوية للجميع، ولضمان عدم التفرقة”.

وقال رئيس بلدية ممفيس، جيم ستريكلاند، إن سلطات المدينة بدأت مراجعة سياسات وآليات عمل الشرطة، وفتح مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل تحقيقًا في القضية، في حين وصفت رئيسة الشرطة، سيريلين ديفيس، الحادث بالمؤلم والصادم، مشددة على أن ما حدث كان فشلًا مروّعًا، واعتداءً على الإنسانية.

من هو الشاب الأمريكي؟

الشاب الأمريكي، تاير نيكولز، البالغ 29 عامًا، لديه ابن يبلغ 4 سنوات. وكان يعمل في شركة فيديكس المتخصصة بإيصال البضائع، وفق ما نقل موقع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).

تبكي والدته قائلة، حسنًا لن أراه مجددًا.. ولن أسمع صوته.. لكن لماذا؟ماذا فعل؟

أحب الشاب الأمريكي التزلج والتصوير الفوتوغرافي، كما ذكرت والدته في مؤتمر صحفي، مردفةً: “لا أحد مثالي.. نعم لكنه كان تقريبًا كذلك”، وكان شغوفًا بتصوير المناظر الطبيعية، ويذهب للمنتزهات المحلية لالتقاط الصور، وللتمتع بالطبيعة.

وحسب ما أفاد به محامي الشاب، بن كرومب، لوسائل إعلام محلية، فإن المشكلة الرئيسة هي في ثقافة المؤسسة الشُرطيّة، التي تتعامل بـ”قانون غير مكتوب”، مفاده “يمكن أن نستخدم العنف المفرط مع السود دون مبرر”.

فرق جوهري

طبقت السلطات الأمريكية برامج لإحلال تمثيل عرقي مناسب، حتى تعكس هيئات الشرطة المحلية التركيبة السكانية، وفق نيويورك تايمز، لكن يجادل البعض بأن هذه الطريقة ليست الأمثل في التعامل، ويشير الباحث المتخصص في الشأن الأمريكي، أحمد البوهي، إلى أن دوافع الحادث ليست عنصرية.

ويلفت البوهي مفصلاً هذا الرأي، إلى وجود فرق جوهري في هذا الحادث، عن غيره من الاعتداءات، هو أن الضباط المتورطين في الواقعة من أصحاب البشرة السوداء، ما ينفي الدوافع العنصرية، على النقيض من هكذا حوادث، التي عادةً ما يتورط بها أفراد من ذوي البشرة البيضاء.

خلل منهجي

في سؤاله عن سبب الحادث، ما لم تكن دوافعه عنصرية، أفاد البوهي بأن مقتل تاير نيكولز سلط الضوء على خلل منهجي مرتبط بطريقة تعامل الشرطة، وبممارسات أفرادها، الذين تلقوا تدريبات تربط عادةً الجرائم بهيئات ذوي البشرة السمراء.

لفت البوهي إلى أن الحادث مرتبط بمنهجية عمل الشرطة أثناء تنفيذ الاعتقال

ولفت إلى أن الكثير من سكان هذه المدن من الفقراء، وهم كذلك من ذوي البشرة السوداء، وتراكمت هذه العوامل عبر الزمن، لتعادي الشرطة مثل هذه الفئات ما ينتج هذه الحوادث في نهاية المطاف، ويطرح سؤالًا بارزًا كيف يمكن معالجة هذه القضية؟

ويرى الباحث المتخصص بالشأن الأمريكي، أن السلطات ستعمل على إصلاح برامج تدريب الشرطة، مع التركيز على منهجية التعامل مع المشتبه بهم، متوقعًا عقد المحاكمة سريعًا لاحتواء الغضب الناجم عن الحادث.

تداعيات خطيرة

سنويًا تقتل الشرطة الأمريكية قرابة 1000 مواطن في عمليات متفرقة، ويشكل السود نسبة كبيرة منهم، ما لا تتناسب مع نسبتهم بين عدد السكان.

ووجدت دراسة أن أكثر من ربع القتلى السود لا يكونون مسلحين، ولمثل هذه الحوادث تداعيات خطيرة على تراجع الصحة النفسية للأمريكيين من أصل إفريقي، وفق دراسة أجرتها مجلة “ذا لينسنت” العلمية الطبية.

علاوةً على ذلك، تهدد هذه الحوادث الأمان الاجتماعي للمجتمع الأمريكي، وتشي بحدوث اضطرابات مستقبلية، مدفوعةً بالخوف والإحباط المتزايد لدى عموم السكان السود نتيجة هذه الممارسات، ما يحتم على السلطات ضرورة السعي لحل المشكلة على نحوٍ فعال يحقق مطلب العدالة والمساواة.