– عدم التوافق السياسي الكويتي يؤثر على مخططات التنمية ومصير مقلق لبيئة الأجيال القادمة
– مخططات التنمية الحكومية الكويتية متناقضة بين الرهان على النفط والدعوة للتقليص منه
– رؤية الكويت الجديدة يمكنها ان تتحقق قبل موعدها في حال استقرار سياسي طويل الأمد بين السلطتين
– مخططات الحكومة الكويتية تناقض التوصيات الدولية وتراهن على اقتصاد النفط
– لا الحكومة أو المعارضة تراهن على الاقتصاد غير النفطي
– رغم الكفاءات المحلية، الكويت الأضعف خليجياً في تطوير اقتصاد المعرفة والتكنولوجيا المستقبلية
– مخططات الحكومة لما بعد الوباء غير كافية لتحقيق التنمية غير النفطية والصديقة للبيئة
الكويت، 7 ابريل، 2021 (csrgulf): |تحديث| تواجه الكويت احتمالات تأخر تحقيق رؤيتها التنموية الطموحة بعيدة المدى المقررة في 2035 الى عام 2050 إذا استمر تأثير التأزيم السياسي على التغيير الحكومي وتداعياته على ادارة أولويات التنمية. في المقابل ترجح الدراسة أن رؤية الكويت الجديدة الطموحة يمكنها أن ترى النور قبل موعدها في حال تحقق توافق سياسي بعيد المدى ومنح استقلالية وصلاحيات أكبر للمؤسسات التنموية والاقتصادية.
وبينما اصطدم حلم تحويل الكويت الى مركز مالي وتجاري إقليمي منذ منتصف عقد بداية الألفية الثانية بعقبات كثيرة أخرت تحققه منذ 15 عاما الى اليوم، تواجه خطة الكويت 2035 المعطلات نفسها ولعل أبرزها تناقض أولويات الحكومة التنموية مع الحاجة لتنويع الاقتصاد والتقليص من الاعتماد المفرط على النفط، تنضاف اليها عوامل مرتبطة باستمرار السياسات البيروقراطية وارتباط القرارات التنموية بالاستقرار السياسي والحكومي، فضلا عن محدودية قناعة حكومية او بين أوساط المعارضة بالتنمية غير النفطية.
وفي الجزء الرابع ضمن اصدار لمركز الخليج العربي للدراسات والبحوث حمل عنوان “آفاق الصراع بين الحكومة والمعارضة وآثاره على مصلحة المواطن الكويتي في المستقبل” ينشر على أجزاء ضمن سلسة تقارير دورية، تكشف دراسة المركز (csrgulf) التي اعتمدت تحليل مؤشرات مختلفة زيادة مخاطر تمسك الكويت برهان إطالة عصر النفط والتعهد بإنفاق نحو 500 مليار دولار (ما يعادل أربعة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي) على تنمية الصناعة النفطية خلال العقدين المقبلين. في الأثناء تحذر جلّ التقديرات الدولية من احتمال قوي بتراجع كبير لقيمة النفط وعدم اليقين بجدواه الاقتصادية بحلول عام 2040 سواء بدافع زيادة الإنتاج العالمي وتوقع احتدام المنافسة أو بضغط من انخفاض الطلب لصالح طاقات بديلة. متغيرات دفعت لتسارعها تداعيات جائحة فيروس كورونا. الا أن استجابة الكويت لهذه المتغيرات تستمر ضبابية ومرتبكة وارتجالية. ولعل الأزمة السياسية تضفي زخماً على بطء الاستجابة المطلوبة مقارنة ببقية الدول الخليجية التي سرعت سيناريوهات بدائل النفط.
وعلى صعيد آخر، طفت على السطح مخاوف جدية من آثار توسع الصناعة النفطية على جودة البيئة التي تعاني تحديات ارتفاع مخاطر الاحتباس الحراري ومشاكل تلوث مقلقة قد تكون أبرز التحديات التي ستواجهها أجيال الكويت في المستقبل. فبالنظر لمحدودية مساحة الكويت وتوقع زيادة توسع العمران واقترابه من مناطق الصناعات الثقيلة كالصناعات النفطية، يواجه الكويتيون في المستقبل مشاكل بيئية حادة رغم التأكيدات العلمية على محدودية مسؤولية الصناعات الطاقية وحقول ومصافي النفط في انبعاثات تلوث الهواء مقابل الدور الرئيسي لحركة المرور كمصدر أول لتلوث الهواء في مدينة الكويت.[1]
ويمثل تمسّك الكويت بالاستثمار طويل المدى في النفط ومشتقاته مخاطرة عالية بأفق التنمية الصديقة للبيئة. ويأتي هذا التوجه ليعكس محدودية الرهان الحكومي على اقتصاد المعرفة في المستقبل كمصدر بديل لإيرادات الصناعة النفطية. وبالنظر لتقدم تنفيذ خطط تنويع الاقتصاد في اغلب دول مجلس التعاون الخليجي، يعتبر تأثير انخفاض أسعار النفط إيجابي في جميع البلدان باستثناء الكويت[2].
وفي ظل تقدم الشباب الكويتي خليجياً في مؤشر الابداع والابتكار، لا تستفيد الحكومة الكويتية بشكل جيد من هذه الكفاءات، كما لا تعكس خيارات الحكومات الكويتية الاستثمارية ايمانا بالرهان على هذه الكفاءات في مجالات المعرفة والتكنولوجيا والبحث العلمي والتطوير وهي مجالات لا تجد دعماً حقيقياً من الحكومة. اذ تصرّ خياراتها على الاستثمارات التقليدية في الطاقة كتوجه آمن في ظل رصد تردد في تعزيز دور اقتصاد المعرفة بمبررات نسبة المخاطرة العالية ونقص البنى التحتية المناسبة ومحدودية تأهيل الموارد البشرية لذلك.
ورغم التنصيص على دعم مشاريع غير نفطية وذات قيمة مضافة عالية في مخططات التنمية متوسطة الأمد أو بعيدة المدى كرؤية الكويت 2035، الا أن الواقع يعكس خلاف ذلك، حيث لا تمنح الى اليوم أولوية تنمية الاستثمارات البديلة والمتنوعة والتي قد تكون موظفة للمهارات الشابة مستقبلاً أكثر من قطاعات أخرى ومحفزة للتنافس على التميز والابداع الذي يميز الشباب الكويتي.
ولعل أبرز دليل على محدودية رهان الحكومة على دعم الاستثمارات غير النفطية استمرار النمو الضعيف لحجم الانفاق والاستثمار الموجه لتعزيز قطاع البحث والتنمية. حيث يمثل هذا القطاع دعامة مستقبل اقتصاد العالم المتقدم القائم على الاستثمار في المعرفة والتكنولوجيا والبحث العلمي والتطوير من أجل القدرة على المنافسة وخلق إيرادات متنوعة.
رهان الحكومة ضعيف على تعزيز اقتصاد المعرفة والتكنولوجيا
رغم بعض التحسن الطفيف، تصنف الكويت الأخيرة خليجياً وتحت متوسط المعدل العالمي للإنفاق على البحث العلمي والتطوير، حيث تراجعت نسبة الانفاق على قطاع البحث والتطوير الى نحو 0.06 في المئة[3] من الناتج المحلي الإجمالي في 2018 مقارنة بنحو 0.08 في المئة[4] في 2016، وهذا التراجع يتناقض كلياً مع ارتفاعات ملحوظة لحجم الاستثمارات والانفاق لبقية دول الخليج في قطاع البحث العلمي والتطوير. وفي حين تذيلت الكويت دول مجلس التعاون في الانفاق على البحث والتطوير في 2018، تصدرت الامارات بنسبة 1.30 في المئة، فالسعودية بنحو 0.82 في المئة، فقطر بنحو 0.51 في المئة، فعمان 0.22 في المئة، فالبحرين بنحو 0.10 في المئة[5]. ويعكس ضعف الانفاق على قطاع البحث العلمي في الكويت أزمة إدارية وعدم قناعة بالتخلي عن الاستثمارات في المحروقات وليس في المجالات المعرفية والرقمية. وتشترك الحكومة والمعارضة في المماطلة في اعتماد فكرة التخلي عن منظومة الاقتصاد الحالية.
وعلى صعيد متصل، أظهرت النتائج الباهتة والمحدودة لتجربة تنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة ضعف السياسات الحكومية على مستوى تأهيل وتمويل وتدريب الشباب المبادرين وذلك نتيجة لعدم قناعة راسخة بنموذج الاستثمار غير النفطي ومحدودية كفاءة إدارة تحديات تنمية المشروعات الجديدة التي تعاني نسبة كبيرة منها اليوم من التعثر بسبب تداعيات جائحة كورونا[6].
وتعكس توجهات أولوية الاستمرار في الرهان على الصناعة النفطية ضعفاً في إدارة التخطيط والاستشراف الحكومي ومحدودية التكيف مع المتغيرات الجيو-استراتيجية الطارئة وضعف ارادة الخروج من دائرة الاعتماد المفرط على النفط، حيث تعكس الأولية الحكومية لاستثمار نصف تريليون دولار في الصناعة النفطية[7] الى افق 2040 محدودية اليقين والقناعة الراسخة لدى الإدارة الكويتية باستثمارات بديلة ومتنوعة. وعلى الأرجح أن تتراجع سعة استيعاب القطاع النفطي لزيادة التوظيف بداية من عام 2030 موعد التراجع التدريجي للطلب على النفط[8].
مخططات التنمية الحكومية السابقة لجائحة كورونا متناقضة مع متطلبات مرحلة ما بعد الوباء
تبدو مخططات التنمية الحكومية السابقة لجائحة فيروس كورونا متناقضة مع التزامات البلاد بتنمية صديقة للبيئة وتقليص الانبعاثات الغازية المسبب الأول للتلوث، حيث تعاني الكويت من حدة التلوث خاصة الهوائي والبحري بالإضافة الى مخاطر جدية لتمدد ظاهرة التصحر وشح المصادر المائية وتوسع العمران.
وقد يكون الرهان على مزيد الانفاق الضخم على الاستثمار النفطي على المدى البعيد خيارا محفوفاً بالمخاطر وحامل لآثار سلبية مباشرة على اضطراب إيرادات أجيال المستقبل وبيئة عيشهم التي قد تكون أكثر تلوثا إذا أصرت الحكومة على زيادة توسيع الصناعة النفطية المتسببة بين عوامل كثيرة في زيادة تسرب التلوث الباطني والسطحي.
رهان الحكومة الكويتية وان يعتبر مجدياً بتعزيز الاستثمار في قطاع النفط لكن هذه الجدوى قد يكون مداها على المدى القصير والمتوسط فقط، حيث تفقد أهميتها بعد نحو عقدين من الآن مع توقع انخفاض الطلب العالمي على النفط الى نحو النصف.
ففي ظل سيناريو أكثر تفاؤلاً للطاقة النظيفة، تقدر وكالة الطاقة الدولية أن الطلب على النفط قد يبلغ ذروته بحلول أوائل عام 2030 بدل 2040، وأن ينخفض بمقدار الثلث إلى 66 مليون برميل في اليوم في عام 2040، حيث يكون النقل البري مسؤولاً عن أكثر من 60٪ من الانخفاض المتوقع في الاستهلاك[9] بسبب زيادة كهربة النقل والتعويل على الطاقة الكهربائية والشمسية بشكل كبير بعد توقعات انخفاض تكلفة انتاجها في المستقبل.
وخلصت الدراسة الى أن أغلب ما شهدته الكويت خلال ربع القرن الماضي من طفرة وانتعاشة اقتصادية غلب عليها التطور التجميلي غير التشغيلي (الوهمي) بالنظر الى مشروعات البناء محدودة المردودية التشغيلية والإنتاجية. حيث قارب الاقتصاد الكويتي على الاعتماد على قطاعات غير مستقرة وذات مخاطر متوسطة مثل الاعتماد على النفط والعقارات والسوق المالية والخدمات، وتميل موارد هذه القطاعات الى التقلب أكثر من الاستقرار بسبب الارتهان للعرض والطلب والأوضاع الجيوسياسية. بينما لم تشهد القطاعات التشغيلية والإنتاجية كالصناعات التصديرية والفلاحة والخدمات التكنولوجية ذات القيمة المضافة طفرة توازي ما شهدته بقية القطاعات.
وأثر تذبذب أوليات الحكومات الكويتية المتعاقبة في اعتماد اتجاهات الاستثمار التنموي في زيادة الانكشاف على مخاطر التداين والعجز والذي اتضح جليا مع جائحة فيروس كورونا، ما دفع الحكومة تحمل تراكم أخطاء السياسات التنموية والاضطرار الى مراجعة أولوياتها وتعديل بوصلة الاستثمار متوسط وبعيد المدى وسرعة التكيف مع احتمالات الاستعداد لعصر ما بعد النفط الذي يطل على الكويت بعهد نحو عقدين من اليوم. الا أن تزامن ضرورة الإصلاح في وقت وجيز قد تكون فاتورته مكلفة جدا على قطاعات شعبية واسعة بسبب احتمالات فرض نمط تغيير كلي في حياة الكويتيين المعتمدين على منظومة الريع الضامنة للرفاه والتي قد تدعو السياسات الإصلاحية للتخلي عنها تدريجيا لتقليص عجز موازنة الدولة.
2021 © مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (CSRGULF)
الهوامش:
[1] Jasem Al-Awadhi, Measurement of Air Pollution in Kuwait City Using Passive Samplers, Kuwait University, Article in Atmospheric and Climate Sciences · January 2014, DOI: 10.4236/acs.2014.42028, file:///C:/Users/IMED/Downloads/Measurement_of_Air_Pollution_in_Kuwait_City_Using_.pdf
[2] Tarek Tawfik Yousef Alkhateeb,Haider Mahmood, The Oil Price and Trade Nexus in the Gulf Co-Operation Council Countries, 1 College of Business Administration, Prince Sattam bin Abdulaziz University, 173, Alkharj 11942, Saudi Arabia; Department of Agriculture Economics, Kafr Elshiekh University, Kafr Elshiekh 33511, Egypt, 24 November 2020, file:///C:/Users/IMED/Downloads/resources-09-00139-v2.pdf
[3] Ahmad Salman, Ali Al-Hemoud, Saja A. Fakhraldeen, Maha Al-Nashmi, Suad M. Alfadhli, Sungsoo Chun, Research and Development as a Moderating Variable for Sustainable Economic Performance: The Asian, European, and Kuwaiti Models, MDPI, 2020, file:///C:/Users/IMED/Downloads/sustainability-12-07525-v2.pdf
[4] Research and development expenditure (% of GDP), UNESCO Institute for Statistics, 2018, https://data.worldbank.org/indicator/GB.XPD.RSDV.GD.ZS
[5] Research and development expenditure (% of GDP), UNESCO Institute for Statistics, 2018, https://data.worldbank.org/indicator/GB.XPD.RSDV.GD.ZS
[6] Nouf Al Bazie, Ashley Braganza, Challenges of change facing entrepreneurs and Kuwaiti SMEs, Cogent Business & Management, 2020, 7:1, 1853997, DOI: 10.1080/23311975.2020.1853997, To link to this article: https://doi.org/10.1080/23311975.2020.1853997
[7] Fiona MacDonald, Kuwait Petroleum Is Said to Reassess $500 Billion Spending Plan, February 10 2019, https://www.bloombergquint.com/business/kuwait-petroleum-said-to-reassess-500-billion-investment-plan
[8] Rystad Energy report, Analyst revises long-term oil demand forecast, The COVID-19 pandemic and the acceleration of the energy transition will expedite peak oil demand to 2028, according to Rystad Energy, Nov 2nd, 2020, https://www.offshore-mag.com/production/article/14186589/analyst-revises-longterm-oil-demand-forecast
[9] Rystad Energy report, Analyst revises long-term oil demand forecast, The COVID-19 pandemic and the acceleration of the energy transition will expedite peak oil demand to 2028, according to Rystad Energy, Nov 2nd, 2020, https://www.offshore-mag.com/production/article/14186589/analyst-revises-longterm-oil-demand-forecast