ترك برس

احتل الإنجليز إسطنبول واستوطن الفرنسيون في المدن الجنوبية والجنوب شرقية وادعت روسيا حق الأرمن في ضم بعض المدن التركية الشرقية وحلت إيطاليا في أنطاليا وبعض المدن الساحلية وتوغلت اليونان في إزمير وبعض المدن التركية الأخرى، معلنةً حرب "الفكرة العظمى"، والتي كانت تقتضي باسترجاع اليونان لكافة أراضيها التاريخية بما فيها تركيا وسوريا ولبنان.

تكالبت القوى الاستعمارية واحتلت كافة أنحاء الدولة العثمانية التي أُصيبت بالوهن والخضوع، وفي ظل هذا الاعتداء السافر انتفض أهالي الأناضول في مجموعات مقاومة منتظمة تحت اسم جيش التحرير لتعلن عام 1919 بدء حرب التحرير ضد كل محتل أجنبي للأناضول.

استمرت حرب التحرير مدة 4 أعوام، وبعد تكبد المحتل بخسائر جمة، قبل الشروع في عملية المفاوضات التي تمخض عنها قيام الجمهورية التركية في التاسع والعشرين من أكتوبر عام 1923.

تولى مصطفى كمال أتاتورك رئاسة الجمهورية وأصبح عصمت إينونو رئيس الوزراء، وأسس أتاتورك حزب الشعب الجمهوري ولم يسمح لتأسيس حزب آخر، بحجة المحافظة على الاستقرار العام للجمهورية، وعلى الرغم من الخناق الذي فرضه حزب الشعب الجمهوري على الحياة السياسية الديمقراطية، إلا أن ثلة من الضباط المعروفين بميلهم للمنهج الإسلامي المحافظ، والذين شُهد لهم بدورهم الأساسي في حرب التحرير، قاموا في السابع عشر من تشرين الأول/ أكتوبر عام 1924، بتأسيس حزب الجمهورية التقدمي، ولكن لم يستمر طويلًا، إذ تم إغلاقه بقرار جمهوري بعد مرور أقل من عام على تأسيسه، بذريعة تدهور الوضع الأمني وحاجة الجمهورية الوليدة للحفاظ على استقرارها السياسي والأمني في هذه الفترة الحساسة، وبذلك رسخ حزب الجمهوري نظام حكم الحزب الواحد الذي سيستمر حتى عام 1946.

تم حظر تأسيس أي حزب آخر في ذلك العهد، وفُرض على جميع السياسيين الانضمام إلى حزب الشعب الجمهوري، لممارسة دورهم السياسي. في ذلك السياق؛ لم تنقطع الانتخابات الدورية، بل كانت تُعقد كل 4 سنوات، وكان يُطبق للانتخابات نظام الصوت الواحد، بمعنى كان يمنح الناخب الحق في انتخاب أحد المرشحين بشكل شخصي، ولكن كانت الخيارات أمام الناخب محدودة، إذ أن الشخصيات المرشحة للانتخاب كان يجب عليها أن تكون منتمية لحزب الشعب الجمهوري الذي كان بدوره لا يقبل انضمام من يخالفه في فكره ونظرياته إلى صفوفه.

ومن المآخذ التي تتعلق بما يخص نظام الانتخابات الخاص بعهد حكم الحزب الواحد أيضًا، هي قيام حزب الشعب الجمهوري بتطبيق نظام "الانتخاب المفتوح والعد المغلق" أي أن الناخب كان ينتخب من قبل الموظفين.

ارتفاع نسبة الأمية آنذاك إلى ما يقارب 80%، وانعدام الرقابة على عملية فرز الأصوات عنصرين وضعا عملية الانتخابات الخاصة بعهد الحزب الواحد في شك عميق حول حجم شفافيتها واستقامتها.

وإضافة إلى ذلك، يذكر مؤرخون أن التضييق السياسي والاجتماعي لم يشمل الانتخابات فقط، بل شمل كافة مناحي الحياة، حيث تم حظر تعلم اللغة العربية أو العثمانية، ومُنع المواطنون الأتراك من الذهاب إلى المملكة العربية السعودية لتأدية مناسك الحج، ومنع رفع الآذان باللغة العربية، وأُعدم الكثير من العلماء المناهضين لتلك الإجراءات.

وفي هذا الصدد، يوضح المؤرخ التركي "أوزغور إيشجيمان" أن بوادر ترنح نظام الحزب الواحد بدأت بالظهور عام

 1935، حيث اتجه الحزب في ذلك العام إلى تطبيق نظام "الاختيار المغلق، الفرز المفتوح" الانتخابي. وفي أواسط الأربعينات بدأ الحزب بمنح المواطنين الأتراك بإعطاء بعض الحقوق السياسية والاجتماعية، مثل منحهم الحق في تعلّم القرآن الكريم، والذهاب إلى الحج، والإقرار بنظام التعددية السياسية الذي ظهر عام 1946، حيث دخل الحزب الديمقراطي الانتخابات ضد حزب الشعب الجمهوري لأول مرة في التاريخ التركي، وعلى الرغم من حصول الحزب الديمقراطي على 61 صوت من أصل 465 صوت، إلا أنها شكلت تجربة إيجابية في التاريخ التركي، لكونها مثّلت حجر الأساس للتعددية السياسية في تركيا.

ووفقًا لما يبيّنه المؤرخ التركي، فإن انغلاق عهد الحزب الواحد، تزامن مع ضغط الاتحاد السوفييتي على تركيا وتهديدها بالاحتلال، إن لم تمنحه قاعدة في مضيق البسفور، ونظرًا للضعف العسكري الذي كانت تعاني منه تركيا، فقد رأت أن تقربها من الولايات المتحدة الأمريكية سيحميها من الغطرسة الروسية، وقبلت حينذاك الحكومة الأمريكية مساعدة تركيا، ولكنها اشترطت عليها تطبيق الديمقراطية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتم ذلك في نهايات الأربعينات وبدايات الخمسينات، حيث نجح الحزب الديمقراطي بالفوز بأغلبية ساحقة في انتخابات عام 1950، وبفضل الانتقال إلى الديمقراطية تمكنت تركيا من الانضمام إلى الناتو عام 1952.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!