A woman prays as she attends a Sunday service at a church that was damaged following Tuesday's blast in Beirut's port area,…
سيدة مسيحية تصلي لضحايا انفجار بيروت

خرج السلفي المصري ياسر برهامي بفتوى مهمة جدا وعاجلة وحاسمة بالنسبة للإنسانية.

في فتواه العبقرية، يخبرنا برهامي بأنه، لتخصيب الأرنبة، لا يجوز استعارة الأرنب الذكر، وأنه مشروط شرعا أن يكون هذا الأرنب الذكر في ملكية صاحب الأرنبات، حتى يكون التوالد صحيحا شرعيا وحتى يكون الأرانب الصغار حلالا للاستهلاك.

يمكننا، بكل موضوعية، أن نعتبر هذه الفتوى شديدة الخطورة وعظيمة الأهمية، خصوصا في هذه الظرفية التي تعرف انتشار فيروس كورونا عبر العالم؛ والانفجار الكبير في بيروت وما خلفه من ضحايا ومن آثار اقتصادية واجتماعية وعلى مستوى البنيات التحتية؛ وإغلاق العديد من المطارات عبر العالم؛ والحرب في سوريا واليمن والعراق؛ والمجاعات عبر العالم؛ والتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي سيخلفها الحجر الصحي في مختلف البلدان؛ واحتمال التطوير الجدي للقاح ضد فيروس كورونا...

مهم جدا، في ظرفية كهذه، أن يعرف الفرد المسلم إن كان يأكل أرنبا حلالا أو أرنبا لقيطا ابن زنا اكتفى مالك الأرنبات بتأجير أو استعارة والده بدل شرائه.

مؤمنون آخرون أبدعوا وهم ينتقدون اللبنانيات بسبب عدم ارتدائهن الحجاب الشرعي، بعد الانفجار!

هل يعقل أن تأكل أرنبا ابن زنا وأنت مسلم متدين؟

للأمانة، فهذا السلفي المتنور لم يكن وحيد زمانه في إبداع التفاهة. رجال دين آخرون خرجوا يلومون المسلمين الطيبين الذين ترحموا على ضحايا بيروت، وهم يذكرونهم بأنه لا تجوز الرحمة إلا على المسلمين منهم؛ وأن عددا من المسلمين، تحت هول الصدمة، نسوا في دعوتهم أن لبنان يضم المسيحيين أيضا.

هل يعقل أن تكون مسلما صحيحا وأن تدعو بالرحمة للمسيحيين؟

طبعا لا، فالحزن والتضامن لا يجب أن ينسينا الأصل، وهو أن الرحمة لا تجوز إلا على المسلمين... حصريا.

مؤمنون آخرون أبدعوا وهم ينتقدون اللبنانيات بسبب عدم ارتدائهن الحجاب الشرعي، بعد الانفجار!

أليس من الطبيعي جدا ومن الإنساني جدا، وأنت تسمع عن انفجار رهيب هدم بيوتا وقتل ضحايا أبرياء وسجل مئات الإصابات، أليس من الطبيعي جدا والإنساني جدا أن تنسى وأن تتجاهل كل هذا وأن تركز فقط على حجاب اللبنانيات؟

بل أن غير الطبيعي وغير المنطقي، أن تسمح للإنسان فيك بالتعبير عن مجرد التضامن والحزن للمصاب الجلل. غير الطبيعي وغير المنطقي وغير الإنساني وغير الديني أن تتعاطف مع الضحايا ومع البلد ومع الشعب برمته (بمسيحييه وسنييه وشيعييه وملحديه). أن تتمنى للمصابين الشفاء ولأهالي الضحايا الصبر... أن تتمنى لكل اللبنانيين الشجاعة والصلابة لمواجهة المصاب.

كيف تكون مسلما صحيحا وأنت تمارس سلوكا إنسانيا كهذا؟

♦♦♦

ومع كل هذا العبث الصارخ، ستخرج علينا غدا بضعة أصوات لتعتبر بأن انتقاد التطرف وأن انتقاد هذه السلوكيات هو مجرد هجوم على دين التسامح والتعايش والإخاء... وبأن "داعش" صناعة أميركية... وبأن الإسلام يدعو إلى العلم (أليست فتوى ياسر برهامي قمة العلم؟).

يمكننا، بكل موضوعية، أن نعتبر هذه الفتوى شديدة الخطورة وعظيمة الأهمية، خصوصا في هذه الظرفية التي تعرف انتشار فيروس كورونا عبر العالم

لكن، بالمقابل، هل سيصرح بعضهم بأن ياسر برهامي (عبر فتواه العظيمة)، وكثيرون على شاكلته، مجانين مرضى مهووسون بالجنس؟ بل أنهم تجاوزوا الجنس عند البشر ووصلوا للهوس بالجنس عند الأرانب...

هل سيعتبر بعضهم بأن الأصوات التي علقت على ملابس الفتيات اللبنانيات هي أصوات مكبوتة وبأن الترحم على الضحايا واجب إنساني مهما كان انتمائهم العقدي أو الجنسي أو القومي؟

هل سينتمي بعضهم للإنسانية وهو يندد بالفتاوى والدعاوى المريضة، المتطرفة والعنيفة؟ أم أنهم سيكتفون، مرة أخرى، باعتبار كل انتقاد لهذه السلوكيات المريضة والمتطرفة، هجوما على الإسلام؟

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN)،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.