القنبلة الفوسفورية.. الوميض الأبيض القاتل

White phosphorus bombs explode over Gaza city during Israel's three week offensive, in this January 8, 2009 file photo. Israel is phasing out white phosphorus munitions whose use to create smokescreens during its 2008-2009 offensive in the Gaza Strip drew international criticism, the military said on April 26, 2013. REUTERS/Mohammed Salem/Files
استخدمت إسرائيل الفوسفور الأبيض في حروبها المختلفة على قطاع غزة (رويترز)

القنبلة الفوسفورية قنبلة حرارية مدمرة، تحظر القوانين الدولية استخدامها في المناطق المدنية، ويشكل الفوسفور الأبيض مكونها الأهم، ومنه أخذت تسميتها الثانية "القنبلة البيضاء"، وتستخدم في الحروب لإحداث حرائق بهدف تطهير مواقع العدو، وإضاءة ساحة المعركة ليلا، وتمييز الأهداف، كما تُستخدم لإحداث خسائر بشرية واسعة النطاق.

التركيبة الكيميائية
الفوسفور الأبيض واحد من مشتقات مادة الفوسفور، ويتميز بصلابته وقابليته الشديدة للاشتعال، وبكثافة الأدخنة المنبعثة من احتراقه، وقدرتها الهائلة على امتصاص الرطوبة في الهواء وفي الأنسجة الحية، التي له قدرة هائلة على تدميرها، وهنا مكمن خطورته على الأشخاص؛ إذ يتسبب في الاختناق والحروق الشديدة في آنٍ واحد.

وتختلف القنبلة الفوسفورية -في تركيبتها الكيميائية- جذريا عن قنابل النابالم التي تُشكل المشتقات البترولية قاعدتها الأهم، ورغم ذلك فإن القنبلة الفوسفورية لها قدرة تدميرية أكبر بكثير من النابالم، وإن كانت القنبلتان تنتميان للقنابل الحارقة التي تُحرم القوانين الدولية استخدامها في المناطق المأهولة بالمدنيين في أوقات الحرب.

وفي عام 1983 حظرت الأمم المتحدة استخدام القنابل الفوسفورية والنابالم في المناطق المدنية، وصنفت هذا الاستخدام في خانة جرائم الحرب.

التأثير
تتميز القنبلة الفوسفورية أولا بتأثيرها النفسي الشديد، فشدة وميضها والغازات المنبعثة منها لهما تأثير مشهود على العدو، وهو ما تؤكده مذكرات قادة الوحدات الذين خاضوا حروبا استُخدم فيها هذا السلاح الفتاك بدءا من الحرب العالمية الأولى وصولا إلى غزو العراق، ومرورا بالحربين العالميتين الأولى والثانية، وحرب فيتنام.

وفضلا عن العامل النفسي، تتمتع القنبلة الفوسفورية بقدرة تدميرية هائلة، تتمثل في إحداث حرائق كبيرة قد تمتد إلى مئات الهكتارات، حتى إن الجيش الأميركي استخدمها خلال حرب فيتنام لحرق الغطاء النباتي الكثيف في الأدغال التي كان يتحصن فيها المقاتلون.

مخاطر واحتياطات
يتميز الفوسفور بقدرته الفائقة على الاشتعال، ولذلك فإن التعامل معه وتسخيره في الصناعة العسكرية ينطوي على مخاطر جمة لا تقتصر على التصنيع وحسب، بل والتخزين والنقل أيضا، وعليه فإن تخزين قنابل الفوسفور يخضع لشروط دقيقة، منها -مثلا- توفير شروط مثالية من الحرارة والرطوبة والتهوية في المخازن، وخلال النقل يجب أن تُنقل القنابل أو الذخائر الفوسفورية في مستوعبات معبأة بالماء منعا للاحتكاك.

حالات شاهدة
استُخدم الفوسفور الأبيض لأغراض عسكرية أول مرة على يد البريطانيين خلال الحرب العالمية الأولى، رغم أنَّ خصائص الاشتعال القوية للفوسفور معروفة منذ أمد بعيد.

وشمل هذا الاستخدام تعبئة القذائف والمتفجرات وغيرها من الذخائر بالفوسفور الأبيض، وكانت لهذا الاستخدام نتائج عسكرية مهمة؛ مما أسهم في اهتمام القوى العالمية به، إذ طوره اليابانيون والفرنسيون والأميركيون كذلك، واستخدموه على نطاق واسع في الحرب العالمية الثانية.

وكانت لقنابل الفوسفور الأبيض نتائج حاسمة في معركة إخضاع ألمانيا بعد تحرير فرنسا عام 1944، واستخدم الأميركيون الفوسفور الأبيض على نطاق واسع خلال الإنزال الكبير بسواحل النورماندي، كما استخدموه في معركة المحيط الهادئ.

وشهدت حرب فيتنام استخداما واسع النطاق من قبل الجيش الأميركي للفوسفور الأبيض في غاراته على معاقل المحاربين الفيتناميين في الأدغال، بل إن الغارات الأميركية طالت مدنا وتضرر منها مدنيون.

في المنطقة العربية
عرفت المنطقة العربية كغيرها من مناطق العالم استخدام الفوسفور الأبيض، وكانت معركة الفلوجة الثانية (نوفمبر/تشرين الثاني 2004) أبرز مسرحٍ استُخدمت فيه هذه الأسلحة المدمرة على نطاقٍ واسع وفي مناطق مأهولة بالمدنيين. ورغم نفيها في بداية الأمر، اعترفت وزارة الدفاع الأميركية باستخدام الفوسفور في الفلوجة، وإن ظلت متشبثة بنفي استخدامه في مناطق سكنية، رغم أن الحقائق على الأرض تُفند ذلك.

وفي الأراضي الفلسطينية، استخدمت إسرائيل الفوسفور الأبيض في حروبها المختلفة على قطاع غزة، ويُشكل ذلك الاستخدام أحد دوافع منظماتٍ حقوقية دولية إلى السعي لرفع دعاوى قضائية ضد مسؤولين عسكريين وسياسيين إسرائيليين من أجل ارتكاب جرائم حرب.

وشهدت الثورة السورية استخدام الفوسفور الأبيض من قبل الطيران الحربي الروسي ضد المدنيين، فقد اتهمت منظمات دولية ووثقت هجماتٍ عدة بالفوسفور الأبيض تركز أغلبها في محافظتي حلب وإدلب، وأخذ استخدام القوات الروسية لهذا السلاح طابعا انتقاميا في كثير من الأحيان، إذ كان يستهدف غالبا مدنا وبلدات سقطت للتو في يد المعارضة المسلحة أو أخفقت قوات النظام في اقتحامها.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية