الثلاثاء 23 إبريل 2024
فن وثقافة

لحسن العسبي: مدين لليوسفي وولعلو وجسوس بكتاب "غنيمة حرب"

لحسن العسبي: مدين لليوسفي وولعلو وجسوس بكتاب "غنيمة حرب" جانب من اللقاء
أكد لحسن لعسبي أن كتابه "غنيمة حرب/ الطب الحديث في المغرب (1888-1940)" هو ثمرة بحث استغرق سنوات عديده. وقال إن الصدفة وحدها من قادته إلى البحث في هذا الموضوع، حين لجأ إلى أرشيف غرفة الصناعة والتجارة بالدار البيضاء للاطلاع على وثائق تغني عمله السيري عن المقاوم محمد منصور كأول رئيس لهذه الغرفة في مغرب الاستقلال.

واعترف العسبي أن اللجوء إلى أرشيف غرفة الصناعة والتجارة كان بإيعاز من الزعيم الاتحادي الراحل عبد الرحمن اليوسفي، وبمساعدة كبيرة من القيادي الاتحادي فتح الله ولعلو، وأيضا بتشجيع من السوسيولوجي الراحل الأستاذ محمد جسوس.

وأوضح لحسن العسبي، في اللقاء الذي نظمته مؤسسة آل سعود بالدار البيضاء، أمس الخميس 9 فبراير 2023، حول كتاب "غنيمة حرب"، أنه وحين ينقب في أرشيف "غرفة الصناعة والتجارة" أنه أمام كنز وقع تجاهله من طرف الباحثين، حيث يتضمن الأرشيف وثائق مهمة عن طرق وخطط تنفيذ الصرف الصحي وأثره على الصحة، وأيضا على الصحة المينائية بالدار البيضاء. مؤكدا أن هذا الموضوع هو مجال بحث لا يزال يشتغل عليه الى اليوم.

وقال العسبي إن السياق العام الذي فرضته جائحة كورونا على مستوى المنظومة الصحية، فرض عليه أن يغير زاوية معالجته للموضوع الأصل (الصرف الصحي والصحة المينائية) ليتحول مؤقتا إلى بحث في تاريخ دخول الطب الحديث إلى المغرب، من خلال الاشتغال على المعلومة التي تغني المعرفة، وبالتالي تحدث تغييرا في الذهنية المغربية، إذ اعتبر العسبي أن  الحداثة الحقيقية ليست شعارا سياسيا أو فكريا، بل هي ما هي ذلك التحول في السلوك الذي يحدد منظومة القيم، وهي القيم التي استوعبها والتقط ذبذباتها الجيل الجديد أنذاك: جيل الحركة الوطنية. 

وأكد العسبي أن اهتمامه في هذا الكتاب لم يكن هو وضع مقاربة تشخيصية أو تحديد كرونولوجيا تاريخية لتطور المؤسسات الطبية والصحية بالمغرب منذ ما قبل الاستعمار وحتى عهد فرض الحماية الفرنسية، بل كان همه الأساس هو تفسير كيف غيرت صدمة الاستعمار وعي المغربي بذاته وبالآخر وبالعالم، انطلاقا من تقديم الخدمة الصحية، سواء عبر أطباء البعثات الديبلوماسية أو البعثات الدينية التبشيرية التي استطاعت النفاذ الى مؤسسة المخزن، وإلى المحلات السلطانية، وغيرت علاقة المغربي بجسده وتمثله للحياة  والتي شكلت دافعا مهما لتغيير سلوك المغربي في وعيه بذاته وبالعالم، من خلال الوعي الصحي الذي أصبح يمتلكه والذي ينسحب، لزاما على رؤيته وتمثله للحياة بوجهها الحداثي في أكثر من ملمح ومجال، وهو التمثل الذي يمكن اعتباره المحرك الرئيسي والمنتج لإرادة الإصلاح والتغيير عند جيل الحركة الوطنية.

وتجدر الإشارة إلى هذا اللقاء، الذي عرف تفاعلا إيجابيا جميلا ورائعا مع الحاضرين، محمد الصغير جنجار نائب مدير مؤسسة آل سعود للدراسات الإسلامية والأبحاث الانسانية، الذي قال إن الباحث لحسن العسبي ظل يشتغل على موضوعة الجسد  في كل مؤلقاته. فبعد دراسته السيوسيوتاريخية "سيرة الدمع" و"اللذة والعنف: تاريخ الزواج"، نبش المؤلف موضوعة الجسد المغربي من زاوية صحية، تتوخى التأريخ لعلاقة المغربي مع جسده، وبالتحديد صحة جسده في محاولة لرسم جزء من "الواقعة التاريخية المغربية" كما وقعت في التاريخ الحديث والمتمثلة في قصة "دخول الطب الحديث" إلى الحياة اليومية للمغاربة.

وأضاف جنجار  أن كتاب "غنيمة حرب"  يطرح موضوعا أساسيا غير علاقة المغاربة بجسدهم ومنظورهم للعالم والذات، ولهذا يؤكد أنه يجب التأسيس  لخطاب هادئ متصالح مع التاريخ، سواء في لحظات الحرب أو الاستعمار، والحديث بدون مركب نقص عن الجانب الآخر الايجابي للاستعمار، وأنه لا يجب التنكر لمنجزات الإدارة الاستعمارية التي أسست لتحديث بنيات المغرب التحتية خاصة على مستوى المؤسسات الصحية، ومن ثم يصح اعتبارها غنيمة حرب حقا.

من جانبه، قارب الباحث والإعلامي والشاعر عبد العالي الدمياني  كتاب "غنيمة حرب"، بالتركيز على مركزا  ثلاثة مستويات:

-السياق التاريخي والسوسيو ثقافي الذي صاحب ظهور العمل، والمتمثل في ظهور جائحة كورونا وفرض حالة الطوارئ التي علقت الحياة الاجتماعية في الفضاء العمومي، وهنا  سلط العسبي الضوء على الجائحة لكنه اختار الاشتغال على الواقعة ضمن إطار واسع ولم يرتهن للحظة الحدث الطارئ، بل استعاد في كتابه تفاصيل دخول الطب الحديث الى المغرب.

-الموارد المعرفية التي تغذى عليها العمل عبر الاطلاع والرجوع إلى المؤلفات التاريخية القديمة والحديثة، سواء المغربية أو الفرنسية بالإضافة الى وثائق أرشيف سلطة الحماية. 

-استراتيجية الكتابة، حيث اختار المؤلف تذويب الوثيقة التاريخية في المتن النصي بما يخدم استراتيجية الكتاب. فمن خلال التصنيف الموضوعاتي الذي تم ضمن سياق سوسيو ثقافي(مذكرات، خطبـ،بورتريهات) استطاع الكاتب إضفاء طابع سردي على فعل التأريخ، تحكمه خلفية تواصليه تتوجه الى القارئ المتخصص كما الى القارئ العادي، وتجعله يخرج بخلاصة واحدة أن ما أرساه المستعمر من بنيات هو ما يشكل العمود الفقري للصحة في مغرب اليوم.