الاتفاقية لاقت انتقادات دولية واسعة وسط مخاوف من تنامي نفوذ تركيا في المنطقة
الاتفاقية لاقت انتقادات دولية واسعة وسط مخاوف من تنامي نفوذ تركيا في المنطقة

حرّكت زيارة تركية "خاطفة" المشهد في ليبيا، خلال الساعات الماضية بشقيه الداخلي والخارجي، وبينما أعلنت أنقرة توقيع مذكرتي تفاهم مع "حكومة الوحدة الوطنية" سادت جملة من المواقف الرافضة لهذه الخطوة، لاعتبارات تتعلق بجدلية "عدم شرعية الأخيرة". 

وقاد الزيارة التي استمرت ليوم واحد وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، وفي مؤتمر صحفي له مع نظيرته الليبية، نجلاء المنقوش، يوم الإثنين، أعلن توقيع مذكرة تفاهم مع ليبيا "في مجال الموارد الهيدروكربونية" وفي مجال الغاز، وأنه "لا يحق لدول أخرى التدخل في الاتفاقية الموقعة بين بلدين ذوي سيادة". 

بدورها قالت المنقوش إن "مذكرة التفاهم بين الدولتين تصب في مصلحتهما وتساهم في حل الأزمة العالمية بخصوص الطاقة والغاز"، مشيرةً إلى أن الاتفاقية البحرية بين ليبيا وتركيا والموقعة في عهد حكومة الوفاق الوطني "تحتاج إلى تسجيل لدى الأمم المتحدة، وأنها ستجد مجالا للتنفيذ حال تفعيلها". 

ولم تكشف الحكومتان التركية و"الوحدة الوطنية" عن تفاصيل مذكرات التفاهم، وخاصة المتعلقة بالغاز والطاقة، وعما إذا كانتا ستتطوران إلى اتفاقيات رسمية أم لا، فيما أثارتا الكثير من الجدل والمواقف الرافضة من جانب بقية الأطراف الليبية من جهة، ومن مصر واليونان والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى. 

واعتبر رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، أن "أي اتفاقية أو معاهدة أو مذكرة تفاهم يتم إبرامها من رئيس حكومة الوحدة الوطنية مرفوضة وغير قانونية نظرا لانتهاء ولايتها قانونا"، فيما قال رئيس لجنة الطاقة والموارد الطبيعية في مجلس النواب الليبي، عيسى العريبي، إن الاتفاقيات الموقعة "غير قانونية". 

من جهتها، أعلنت الحكومة المكلفة من مجلس النواب (حكومة فتحي باشاغا) عن حقها في "اللجوء إلى القضاء" للنظر في الاتفاقيات، مجددة رفضها لاستمرار "حكومة الوحدة الوطنية" في السلطة، وأن مواصلة وجودها "اغتصاب للسلطة". 

ولم تقف ردود الأفعال عند هذا الحد، إذ قال وزير الخارجية المصري، سامح شكري ونظيره اليوناني، نيكوس ديندياس، إن "حكومة الوحدة الليبية المنتهية ولايتها" في طرابلس لا تملك صلاحية إبرام أي اتفاقات دولية أو مذكرات تفاهم. 

 بعد ذلك، نشر الاتحاد الأوروبي بيانا عبّر عن رفضه لمذكرات التفاهم، على أساس موقفه للمذكرات السابقة التي حصلت في عام 2019، وقال: "تنتهك مذكرة التفاهم التركية الليبية، لعام 2019، حقوق السيادة للدول الثالثة، وتخالف قانون البحار ولا يمكن أن يكون لها أي عواقب قانونية على الدول الأخرى". 

وجاء في البيان: "نظرا لأن الاتفاقية الجديدة لم يتم الإعلان عنها بعد، فإن محتواها يحتاج إلى مزيد من التوضيح. يجب تجنب الأعمال التي قد تضر بالاستقرار الإقليمي". 

ماذا تعني المذكرات؟ 

وكانت الأوساط التركية في العاصمة، أنقرة، قد توقعت، خلال الأيام الماضية، ردود الأفعال التي خرجت بعد توقيع "مذكرة الهيدروكربونات"، وهو ما دفع جاويش أوغلو للقول إنه "لا يحق لدول أخرى التدخل". 

وذكر الموقع الرسمي للتلفزيون الحكومي "TRT"، يوم الثلاثاء، أن "مذكرة التفاهم المتعلقة بالمواد الهيدروكربونية لها تأثير كبير"، وأنه "وعلى الرغم من عدم الإعلان عن جميع التفاصيل حتى الآن، إلا أن الشركات التركية والليبية ستتمكن من العمل معا في المناطق الغنية، باحتياطات النفط والغاز الطبيعي". 

وترتبط الخطوة الحاصلة بالمذكرة التي وقعها البلدان في عام 2019. وجاء في تقرير  الموقع أنها "تسمح لشركات البلدين بإجراء البحوث السيزمية والحفر"، ليس فقط في البحر، بل في البر الليبي. 

ويرى الباحث المختص بالشأن التركي، محمود علوش، أنه ينبغي قراءة الاتفاقيات التي حصلت من "منظورين رئيسيين"، الأول مرتبط بالتوازنات الجيوسياسية في شرق البحر المتوسط. 

أما الثاني، فيتعلق بالموقف التركي من الصراع على السلطة، بين حكومتي عبد الحميد الدبيبة وفتحي باشاغا والعلاقة مع مصر.  

ومن غير الواضح ما إذا كانت هذه الاتفاقيات ستشمل التعاون بين البلدين في التنقيب عن الغاز في المناطق البحرية، لكنها "ستُعزز الموقف الجيوسياسي لتركيا في صراع الطاقة مع اليونان والقبارصة الجنوبيين"، وفق علوش.  

ويضيف أن "التحولات الكبيرة التي طرأت على نظام الطاقة بعد الحرب الروسية الأوكرانية رفعت من الأهمية الجيوسياسية لشرق المتوسط في نظام الطاقة العالمي الجديد الآخذ بالتشكل، لكنّها تؤدي أيضا إلى تأجيج التنافس بين دول الحوض بدلا من خلق مشاريع للتعاون في مجال الطاقة". 

بدوره، يشير الباحث السياسي الليبي، إبراهيم بلقاسم، إلى أن أهم اتفاقية موقعة هي "مذكرة التفاهم حول الاستثمار النفطي". وهذه تهدف بالأساس إلى "تطوير اتفاقيات نوفمبر 2019". 

ويقول لموقع "الحرة: "هناك بعض الأصوات الليبية - الليبية تتخوف من أن يستأثر بالاتفاقية طرف سياسي واحد، لكن بالعموم هناك إدراك أن ما حصل يخدم البلاد بصفة عامة"، وفق تعبيره. 

ومن شأن الاتفاقية الأخيرة أن تتيح "دورا متناميا لأنقرة في ليبيا في هذه المرحلة"، لكن ومع ذلك "ستحتاج استقرارا أمنيا وسياسيا". 

"تصادم مصالح" 

ويتفاقم الانقسام في ليبيا، منذ أشهر، مع وجود حكومتين متنافستين، الأولى في طرابلس انبثقت عن اتفاق سياسي قبل عام ونصف العام، يرأسها الدبيبة. 

أما الحكومة الثانية فهي برئاسة، باشاغا، وعيّنها البرلمان في شهر فبراير ومنحها ثقته في مارس وتتّخذ من سرت (وسط) مقرّا مؤقتا لها، بعدما مُنعت من دخول طرابلس رغم محاولتها ذلك. 

وتبادلت الحكومتان المتنافستان الاتهامات بشأن المسؤولية عن اندلاع الفوضى الأخيرة، التي أسفرت عن قتلى، فيما تزداد المخاوف من تجدد النزاع المسلح في البلاد. 

ويرى الباحث السياسي علوش أن "اتجاه أنقرة إلى تعزيز علاقتها مع حكومة الدبيبة يعكس الميل التركي المتزايد إلى دعم الدبيبة على حساب باشاغا. وهذا يزيد من مخاطر تصادم المصالح بين تركيا ومصر في ليبيا". 

وفي حين أن القاهرة لا تبدو متضررة مثل اليونان من الاتفاقات التركية الليبية، فإن قلقها من تصاعد النفوذ التركي في ليبيا لا يزال يُشكل مُحددا رئيسيا في مقاربتها لتركيا. 

من جهته يرى الباحث السياسي المصري، كرم سعيد، أن المذكرة الموقعة تحمل عدة دلالات، أولها أن "تركيا ترغب في تعزيز نفوذها بليبيا في الشرق والغرب". 

أما الثانية فتتعلق بـ"رغبة تركيا في الحصول على قبض الثمن السريع بعد دعمها للدبيبة في الأزمة الأخيرة"، موضحا "أنقرة أصدرت مواقف صريحة لدعم الدبيبة، والتصدي لباشاغا عندما حاول دخول طرابلس". 

ويقول سعيد لموقع "الحرة" إن الدلالة الثالثة ترتبط بـ"محاولة تركيا تعويض ما قد تواجهه في المستقبل القريب في نقص الغاز. أنقرة ترغب في تأمين احتياجاتها من مصادر الطاقة".  

وسيكون للمذكرة "تداعيات"، وخاصة على مسار العلاقات بين تركيا ومصر التي أعلنت موقفا صريحا بالرفض، و"هذا سيزيد القضايا الخلافية بين أنقرة والقاهرة وسيؤجل ما هو متوقع عن مصالحة قريبة، خاصة بعد المحادثات الاستكشافية"، وفق الباحث.  

لكن بلقاسم يرى المشهد مغايرا لذلك، ويعتبر أن ما حصل من ردود أفعال يندرج ضمن "المناكفات السياسية"، وأن "الشاهد على ذلك أن مجلس النواب ورئيسه وأعضاءه لم يرفضوا الاتفاقية، بل الطرف الذي وقع عليها (الدبيبة)". 

ويضيف الباحث السياسي: "عقيلة صالح كان آخر الواصلين إلى تركيا مؤخرا. أرى أنه لا نية للتصعيد ضد تركيا. كل ما يغيظهم في الاتفاقية أن حكومة الوحدة هي التي وقعت عليها". 

"الإشكال بمن وقّع" 

وتم تنصيب الدبيبة، العام الماضي، من خلال عملية تدعمها الأمم المتحدة لرئاسة حكومة الوحدة الوطنية، والإشراف على الانتخابات التي كان من المقرر إجراؤها في ديسمبر 2021. 

وبعد انهيار العملية الانتخابية، مع رفض الفصائل المتناحرة الاتفاق على القواعد، قال البرلمان المتمركز في الشرق، إن ولاية الدبيبة انتهت، وعين باشاغا لرئاسة الحكومة الجديدة. 

لكن الدبيبة وبعض الفصائل الرئيسية في شمال غرب ليبيا رفضوا حق البرلمان في استبداله، وقال إنه لن يستقيل إلا بعد الانتخابات العامة. 

وكان الرجلان (الدبيبة وباشاغا) قد أجريا زيارة في ذات التوقيت إلى مدينة إسطنبول التركية، في مطلع أغسطس الماضي، في خطوة جاءت بعد تصاعد الصدام بينهما على أسوار العاصمة، طرابلس. ولم تعلن مخرجاتها منذ ذلك التوقيت. 

"لا يوجد رفض للاتفاقية بل لمن وقع عليها"، وفق قراءة الباحث بلقاسم. 

وفي حين يرى بلقاسم أن "الليبيين يعرفون أن اليونان لم تكن جادة في المفاوضات المتعلقة بترسيم الحدود في أي مرحلة من المراحل"، يعتبر في المقابل أن "المصريين ما زالوا يحافظون على علاقة قوية بالدبيبة". 

ويوضح: "هناك شركات مصرية تعمل الآن في طرابلس في مجال الإنشاءات. مصر أيضا لديها سفير لدى طرابلس. اليونان أيضا كذلك والعكس صحيح. سفير ليبيا لدى مصر واليونان هو سفير حكومة الوحدة الوطنية". 

لكن ومن جانب آخر يعتبر الباحث في الشأن السياسي التركي، علوش أن "التحول الذي حصل يضع الكثير من التساؤلات حول مستقبل التهدئة السارية في شرق المتوسط منذ نحو عامين". 

ويقول: "نرى تصاعدا للتوترات التركية اليونانية بفعل الخلاف على جزر بحر إيجة. والدوران الروسي والأميركي في شرق المتوسط يُحولان المنطقة إلى ساحة جديدة للمنافسة الجيوسياسية بين موسكو والغرب"، مضيفا "كل ذلك يحد من فرص مشاريع تعاون مستقبلية بين دول الحوض في مجال الطاقة". 

ليبيا غرقت في فوضى سياسية وأمنية منذ 13 عاما
ليبيا غرقت في فوضى سياسية وأمنية منذ 13 عاما

أعلن مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، عبدالله باتيلي، استقالته بشكل مفاجئ الثلاثاء، مُطلقا موجة من التساؤلات بشأن مستقبل العملية السياسية الهشة في البلاد، خصوصا في ظل الإحباط الذي عبر عنه في تصريحات نقلتها وكالات الأنباء من "غياب الإرادة السياسية" و"أنانية" القادة.

ويأتي قرار باتيلي بعد 18 شهرا من توليه المنصب، وهو تاسع مبعوث أممي لليبيا منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011 عقب ثورة شعبية دعمها حلف شمال الأطلسي.

ورسم الدبلوماسي السنغالي للصحفيين، بعد اجتماع لمجلس الأمن الدولي، صورة قاتمة للوضع في ليبيا، التي تشهد حربا أهلية منذ 2011.

وقال إن البعثة الأممية "بذلت الكثير من الجهود خلال الأشهر الـ18 الماضية"، لكن "في الأشهر الأخيرة تدهور الوضع"، منددا "بغياب الإرادة السياسية وحسن نية الزعماء الليبيين السعداء بالمأزق الحالي".

وأوضح أن "تصميم القادة الحاليين بكل أنانية على الحفاظ على الوضع الراهن من خلال مناورات ومخططات بهدف المماطلة على حساب الشعب الليبي، يجب أن يتوقف".

ولفت إلى أنه "في هذه الظروف، ليس لدى الأمم المتحدة أي وسيلة للتحرك بنجاح. ولا مجال لحل سياسي".

ماذا وراء الاستقالة؟

وتعليقا على استقالة المبعوث الأممي، قال المحلل والباحث في الشأن الليبي، محمد الجارح، لموقع الحرة إن الاستقالة رسالة تُجسد مدى تعقيد الأزمة الليبية، وتُؤكد عجز الأمم المتحدة عن لعب دور فاعل في حلحلة هذه الأزمة المُستعصية.

وأضاف: "الأطراف الليبية المتصارعة، ومن خلفها الأطراف الخارجية التي تدعمها، أثبتت قدرتها على إفشال وإيقاف أي جهد دولي في اتجاه حلحلة الأزمة المستمرة منذ سنوات".

وتابع الجارح: "الآن هناك 9 من مبعوثي الأمم المتحدة استقالوا منذ 2011، والمبعوث العاشر في الطريق بكل تأكيد، وكما هو الحال لن تكون مهمة سهلة على عملية الاتفاق على مبعوث أممي جديد وذلك بسبب حالة الانقسام الحاد الموجودة داخل مجلس الأمن بسبب الأزمات السياسية المتعددة في المنطقة أو العالم بما في ذلك الحرب في غزة وأوكرانيا".

ولتعيين مبعوث أممي لا بد لمجلس الأمن الدولي أن يوافق على اسم أي مرشح يقدمه الأمين العام.

وعُين باتيلي ممثلا خاصا للأمين العام في ليبيا في سبتمبر 2022، بعد شغور المنصب لأشهر إثر الاستقالة المفاجئة لسلفه يان كوبيش في نوفمبر 2021، وكذلك رفض مجلس الأمن الدولي أسماء أخرى عديدة طرحها غوتيريش.

بدوره، رأى المحلل السياسي، أحمد المهدوي، أن "المبعوث الأممي تعرض لضغوط كبيرة دفعته إلى الاستقالة، خاصة أنه كان متحمسا للاستمرار في المنصب لقيادة مسار المصالحة السياسية في البلاد".

وقال المهدوي، لموقع الحرة، "باتيلي قاد الجهود الحثيثة للتوافق على موعد مؤتمر المصالحة الوطنية الليبية، وهو الحدث الذي كان مرتقبا للتمهيد إلى أفق سياسي جديد بالبلاد، وبالتالي فإن الاستقالة دفُع لها بكل تأكيد".

ومع ذلك، من المهم الإشارة إلى أن باتيلي واجه أيضا بعض الانتقادات بسبب عدم التواصل المباشر الكافي مع الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، وكذلك مع النشطاء الفاعلين على الأرض، حسب المهدوي.

والثلاثاء، أعلن باتيلي خلال جلسة مجلس الأمن، أن مؤتمر المصالحة الوطنية الليبية الذي كان مقررا عقده في 28 أبريل الجاري، أرجئ إلى أجل غير مسمّى.

وستعيد استقالة المبعوث الأممي الأزمة الليبية إلى "نقطة الصفر"، حسب المهدوي، الذي قال: "أي محاولات مستقبلية للحديث عن تشكيل حكومة أو انتخابات ستستغرق المزيد من الوقت".

بدوره، حمّل الجارح التنافس الإقليمي والدولي مسؤولية فشل مبعوث الأمم المتحدة، قائلا: "مجلس الأمن عجز على تبني موقف موحد تجاه الأزمة، وهذا أضعف أداء البعثة الأممية وجعلها غير قادرة على القيام بدورها بشكل أمثل، خصوصا في ظل الرفض الروسي (فيتو) الجاهز لعرقلة أي جهود باتجاه حلحلة الأزمة".

وأضاف: "بكل تأكيد ستنظر روسيا على أن هذه الاستقالة، ومن قبلها تسمية ستيفاني خوري نائبة للمبعوث الأممي إلى ليبيا، باعتبارها محاولة من الولايات المتحدة للسيطرة على الملف السياسي في ليبيا".

وتابع: "خلال فترة المبعوثة الأممية السابقة في ليبيا ستيفياني ويليامز، رأينا روسيا تعرقل عملية التجديد لتفويض البعثة أكثر من مرة كما كان هناك عرقلة فيما يتعلق بالدعم المالي، وكل هذه بالتأكيد كان لها تداعيات على دورها".

وأكد هذا أيضا المحلل السياسي والعسكري الليبي، عادل عبد الكافي، الذي قال لموقع الحرة إن "روسيا تواصل التوسع العسكري في شرق ليبيا من خلال مرتزقة الفيلق الروسي الإفريقي. فيما تحاول الولايات المتحدة احتواء الوضع من خلال عقد اجتماعات مع بعض القيادات العسكرية في غرب البلاد".

إلى أين تتجه الأزمة؟

وغرقت ليبيا في فوضى سياسية وأمنية منذ 13 عاما، حيث يحكم البلاد التي تشهد أعمال عنف وانقسامات، حكومتان متنافستان، إحداهما في طرابلس (غرب) برئاسة عبد الحميد دبيبة ومعترف بها من الأمم المتحدة، وأخرى معقلها في بنغازي في الشرق ويرأسها، أسامة حماد، وهي مكلفة من مجلس النواب ومدعومة من المشير خليفة حفتر.

وأكد المهدوي أن حديث المبعوث الأممي بشأن "الأنانية" وتغليب "المصالح" لم يأت بجديد، خصوصا أن "الجميع يعلم أن النخب السياسية الليبية وأطراف الصراع كلها تمتاز بالأنانية وحب الذات، ولا تريد تسليم السلطة".

وأضاف: "التداول السلمي للسلطة في ليبيا مبدأ مرفوض تماما. واستقالة المبعوث الأممي تخدم رئيس حكومة الوحدة الوطنية الذي رفض تشكيل حكومة جديدة".

وحسب فرانس برس، أبدت حكومة طرابلس "تحفظات" على الدبلوماسي السنغالي، منذ تعيينه مبعوثا إلى ليبيا قبل 18 شهرا.

وقال الجارح خلال حديثه: "للأسف هناك عودة حقيقية لحالة الانقسام المتجذر على المستوى المؤسساتي وعلى المستوى السياسي، وربما على المستوى المالي خلال الفترة المقبلة مرة أخرى كما حدث في الفترة بين 2014 و2019".

وأضاف: "التخوف الحقيقي الموجود الآن أن هناك وجهتين نظر متعارضين، وكل منها في اتجاهات مختلفة فيما يتعلق بمسألة الحكم والسلطة الحاكمة في ليبيا".

وتابع: "في الشرق سلطة حاكمة متمثلة في رجل واحد هو خليفة حفتر. وفي غرب البلاد هناك حكومة لا مركزية إن صح التعبير في ظل التنافس حول السلطة بين المجموعات المسلحة والمجموعات السياسية المختلفة".

ورأى الجارح أن خلافات الأطراف الليبية المتنافسة عميقة لدرجة أنه "من المستبعد التوصل إلى حل وسط يرضي الجميع. وبالتالي، فإن الأزمة في ليبيا مرجحة للاستمرار، بل قد تتفاقم وتؤدي إلى تقسيم دائم للبلاد".

صراع مسلح؟

لا يستبعد المهدوي خلال حديثه، إمكانية التصعيد المسلح في ليبيا بين الأطراف المتنافسة، خصوصا الجماعات المسلحة في طرابلس والتي تسعى إلى توسيع مناطق نفوذها الأمنية من حين إلى آخر.

لكنه في نفس الوقت يستبعد أن تحاول قوات حفتر مهاجمة طرابلس مرة أخرى بعد أن "فشلت قبل 4 أعوام"، على حد قوله.

وأضاف: "الصراع قادم لا محالة وهذا هو مصدر القلق، خصوصا أن اللجنة العسكرية (5+5) لم تدعم بشكل حقيقي جهود البعثة الأممية فيما يتعلق بالملف الأمني في البلاد".

وشُكلت اللجنة العسكرية المشتركة "5+5" (خمسة أعضاء من قوات حفتر ومثلهم من قوات حكومة الوحدة) برعاية الأمم المتحدة، وهي الجهة التي تتولى الإشراف على وقف إطلاق النار الدائم الذي توصّل إليه الطرفان في أكتوبر 2020.

وأنهى هذا الاتفاق هجوما عسكريا واسع النطاق، شنّته قوات المشير حفتر للسيطرة على العاصمة طرابلس، استمر لأكثر من عام (من أبريل 2019 وحتى يونيو 2020).

بدوره، يرجح عبدالكافي تفاقم الانقسامات والاشتباكات المسلحة في ليبيا، حتى بين الفصائل المتحالفة في شرقها وغربها.

وفي ظل سعي كل طرف لتعزيز نفوذه ومصالحه، قال عبدالكافي إن "اندلاع الاشتباكات أمر وارد، خاصة مع ازدياد محاولات بعض التشكيلات المسلحة السيطرة على المؤسسات والمواقع".

وأضاف عبدالكافي: "في ظل الأنانية التي تتمتع بها الأطراف المحلية سواء في الشرق أو في طرابلس غربا أو حتى على مستوى المنطقة الجنوبية، فإن اندلاع الاشتباكات أمر غير مستبعد".

ويُشير خلال حديثه إلى وقوع اشتباكات مسلحة بين مجموعات مسلحة في كل من غرب وشرق البلاد، مستشهدا بمواجهة حديثة بين "كتيبة 2020" و"كتيبة 106" للسيطرة على معسكر في بنغازي، على الرغم من كونهما تابعتين لقوات خليفة حفتر.

ويؤكد عبدالكافي أن هذا المشهد الفوضوي بات سائدا على الأوضاع الأمنية والعسكرية في ليبيا، مستبعدا حدوث مواجهة عسكرية واسعة على غرار عام 2019، "لأن قرار شن مثل هذه العمليات يبقى بيد الأطراف الإقليمية والدولية وليس الأطراف المحلية".