تخطي إلى المحتوى الرئيسي
الانتخابات الفرنسية 2022

الانتخابات الرئاسية الفرنسية: المرشحون المعتدلون أمام نظرائهم المتشددين في امتحان الأزمة الأوكرانية

منذ الخريف، يثير شبح الغزو الروسي لأوكرانيا مخاوف من اندلاع حرب على حدود أوروبا الشرقية. وفي ظل هذه الأزمة، التي تهدد الاستقرار العالمي يوما بعد يوم، كان المرشحون للانتخابات الرئاسية الفرنسية مدعوين لاتخاذ مواقف بشأنها، إلا أنها جاءت متباينة فيما بينها. 

جندي روسي أثناء تمرين عسكري
جندي روسي أثناء تمرين عسكري © أسوشيتد برس
إعلان

عادة ما يتوحد التطرف في السياسة. وتعتبر الأزمة الأوكرانية، التي تدور رحى معركتها على الساحة الدبلوماسية في الوقت الحالي، مثالا صارخا على ذلك. وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان دق ناقوس الخطر في 2 فبراير/ شباط، عندما أعلن أنه يتم حشد "عشرات الآلاف من الجنود الروس" على الحدود الروسية الأوكرانية، ما يعني أن جميع العوامل متوفرة لتدخل روسي محتمل في أوكرانيا. وأمام هذا الوضع المتفجر، كان على جميع المرشحين للانتخابات الرئاسية الفرنسية التعبير عن مواقفهم بشأن هذا الملف. والمثير في الأمر، أن الأحزاب المتطرفة، من جميع الاتجاهات، أبدت مواقف متقاربة للغاية.

اصطفاف الأحزاب المتطرفة وراء روسيا؟

يدافع جان لوك ميلنشون، رئيس حزب "فرنسا الأبية"، الذي ينتقد بشدة السياسة الأمريكية، عن استراتيجية روسيا العسكرية. ففي مقال نشر في صحيفة لوموند في 18 يناير/ كانون الثاني، يوضح موقفه كالتالي: "الروس يحشدون [القوات] على حدودهم؟ من لا يفعل الشيء نفسه مع مثل هذا الجار، بلد مرتبط بقوة تهددهم باستمرار؟". ويتابع: "نحن نواصل الأساليب القديمة للحرب الباردة. ومع ذلك، فإن السياسة المعادية لروسيا ليست في مصلحتنا، فهي خطيرة وسخيفة. ما ينبغي القيام به الآن هو وقف التصعيد". 

بدعوته إلى التهدئة، فإن ميلنشون لا يتفق مع إيمانويل ماكرون، الذي يريد أن تضمن فرنسا الحدود الأوكرانية مع الجار القوي روسيا. زعيم "فرنسا الأبية" يدعم خاصة فكرة سياسة عدم الاصطفاف وراء أي معسكر، عبر إشارته إلى الحرب الباردة ومعسكريها السابقين الأمريكي والسوفياتي.

أما مارين لوبان، مرشحة حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف، فتتطلع إلى علاقة مميزة مع موسكو. الحرب المشتركة ضد الإسلامويين ومصالح الطاقة الفرنسية - 20٪ من الغاز الفرنسي يأتي من روسيا – كلها عوامل كافية، حسب رأيها، للحفاظ على علاقات جيدة بين باريس وموسكو. وتؤكد أيضا أن الاتحاد الأوروبي، من خلال دعمه لأوكرانيا، قد ساعد في تفاقم التوتر في الجزء الشرقي من القارة. واعتبرت في مقابلة مع "رزيكزبوسبوليتا"، وهي وسيلة إعلام بولندية، أنه "سواء أحببنا ذلك أم لا، فأوكرانيا تنتمي إلى دائرة النفوذ الروسي".

لكن إيريك زمور هو الأكثر تأييدا لروسيا. وباستناده على اعتبارات تاريخية، يرى أن أوكرانيا كانت دائما "منطقة من الإمبراطورية سواء الروسية أو النمساوية". وقال في جواب له عن سؤال على محطة "آر تي إل" الإذاعية، إنه كان على فرنسا ألا تنحاز للموقف الأمريكي تجاه روسيا، لأن مطالب فلاديمير بوتين كانت "شرعية تماما" بحسبه. ويخلص: "أنا، لو كنت رئيسا، لقلت: ليست هناك أية عقوبات على روسيا". 

ويعتبر كريستيان دلبورت، أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة فرساي، في حديث لفرانس24 أنه "حتى وإن أظهرت الأحزاب المتطرفة مواقف متشابهة للغاية، فالدوافع مختلفة. مثلا، موقف جان لوك ميلنشون يعود إلى حد كبير إلى معاداته لأمريكا، في حين مارين لوبان وإيريك زمور، وكلاهما قوميان، هما أكثر استعدادا لدعم الأنظمة الاستبدادية. على العكس من ذلك، فإن المعتدلين، الذين ينخرطون في منطق الحلف الأطلسي، يدافعون عن المواقف الغربية الهادفة إلى معاقبة روسيا".

المرشحون المعتدلون الداعمون لكييف

معاقبة روسيا، هو تحديدا موقف إيمانويل ماكرون؛ فلقد أتيحت -للمرشح المحتمل فوزه جدا بالانتخابات الرئاسية- الفرصة مرات عدة لإظهار دعمه الكبير لأوكرانيا. فبعد أن كان يأمل طويلا في بث الدفء بالعلاقات مع موسكو، من خلال دعوة فلاديمير بوتين إلى فرساي أو إلى مقر إقامته الصيفي في بريجانسون، رفع الرئيس الفرنسي نبرة خطابه تجاه الرئيس الروسي تدريجيا بعد المناورات العسكرية الكبرى التي قام بها الكرملين على حدوده الغربية. وفي 20 يناير/ كانون الثاني، اقترح ماكرون المشاركة في الوجود العسكري المعزز للحلف الأطلسي في رومانيا. وبعد خمسة أيام، أعلن خلال مؤتمر صحفي أن غزو روسي سيترتب عنه "رد" و"تكلفة باهظة جدا". 

ومع ذلك، يرغب ماكرون في الحفاظ على الحوار مع روسيا. وحل الرئيس الفرنسي الإثنين 7 فبراير/ شباط ضيفا على بوتين في موسكو، وأجريا محادثات استمرت لنحو ست ساعات. وقال ماكرون إنه اقترح على روسيا "بناء ضمانات أمنية ملموسة" لكل الدول المعنية بالأزمة الأوكرانية. فيما وصف بوتين المحادثات بأنها مفيدة وموضوعية وجادة، وقال إن بعض أفكار ماكرون يمكن أن تشكل أساسا لمزيد من الخطوات المشتركة.  

ويواصل ماكرون مساعيه الدبلوماسية لتذويب الخلافات الغربية الروسية، وتباحث مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كييف الثلاثاء 8 فبراير/ شباط. وعقد الرئيسان مؤتمرا صحفيا مشتركا أكد فيه ماكرون أن تحقيق تقدم باتجاه خفض التوتر بين روسيا والغرب بات ممكنا.

أما بالنسبة لليمين المعتدل، ففي مقال نشرته لها صحيفة لوموند في 26 يناير/ كانون الثاني حول الأزمة، اعتمدت مرشحة حزب "الجمهوريون" فاليري بيكريس، خطابا يحاكي خطاب ماكرون. ودفاعا عن رؤية "ديغولية" لأوروبا، نسبة إلى الرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول، "تمتد من المحيط الأطلسي إلى جبال الأورال"، دعت للحفاظ على الحوار مع الكرملين، وشددت في الوقت نفسه على الضرورة المطلقة لضمان وحدة أراضي أوكرانيا.

يسارا، عبرت المرشحة الاشتراكية آن هيدالغو عن دعمها فكرة رد مشترك للاتحاد الأوروبي على الصراع. وقالت عمدة باريس في تصريح لإذاعة "فرانس إنتر": "عندما نرى الوضع في أوكرانيا، نتساءل أين هي أوروبا. فبينما تركز الولايات المتحدة على الصين، وأمام عدوانية بعض القادة، يجب أن تتحول أوروبا إلى قوة تأثير وتتحدث بصوت واحد، مع حزم أكثر، تجاه القادة الاستبداديين".

المرشحون يصطفون خلف محور شرق/ غرب؟

أخيرا، بالنسبة لحزب الخضر، يتفق المرشح يانيك جادو، على الرغم من اعتراضاته على الشكل، مع خصومه المعتدلين على مستوى الجوهر، معربا عن أسفه لعدم تنظيم الإليزيه أي زيارة إلى كييف منذ خمس سنوات، ويوصي بأن يقوم إيمانويل ماكرون، الرئيس الحالي لمجلس الاتحاد الأوروبي، "بتنظيم قمة في كييف بأوكرانيا مع جميع القادة الأوروبيين، لإظهار أن أوروبا متحدة في الدفاع عن وحدة الأراضي والديمقراطية في أوكرانيا". في الوقت نفسه، يرى أنه من الضروري "إبقاء التهديدات" "بمعاقبة الأوليغارشية الروسية الفاسدة"، لا سيما "إيقاف خط أنابيب الغاز الشهير، نورد ستريم 2، الذي سيتجاوز أوكرانيا ويضعفها في وضعها الجيوسياسي".

فهل تضارب مواقف المرشحين المعتدلين والمتطرفين، من مختلف التيارات السياسية، حول الأزمة الأوكرانية، يعود إلى الاختلافات في وجهات النظر بخصوص الاتحاد الأوروبي؟ "لا"، يجيب كريستيان دلبورت. "هذه الاختلافات ناتجة بشكل أكبر عن عودة منطق الحرب الباردة الذي ينقسم فيها العالم حاليا. بعد أربعين عاما، لا تزال الولايات المتحدة من جهة وروسيا من جهة أخرى. التغيير الوحيد الملحوظ هو ظهور الصين كقوة ثالثة لها وزنها في الصراع. الاتحاد الأوروبي له تأثير ضئيل في الأزمة. ومن غير المستغرب، أن المرشحين ينخرطون بدورهم في منطق الحرب الباردة هذا". 

 

اقتباس بوعلام غبشي عن مقال أود مازوي بالفرنسية

الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم

ابق على اطلاع دائم بالأخبار الدولية أينما كنت. حمل تطبيق فرانس 24

مشاركة :
الصفحة غير متوفرة

المحتوى الذي تريدون تصفحه لم يعد في الخدمة أو غير متوفر حاليا.