1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

بوتين أم أردوغان ـ من انتصر على من في كاراباخ؟

حسن زنيند
١٣ نوفمبر ٢٠٢٠

أنهى اتفاق خسرت بموجبه أرمينيا أجزاء واسعة من ناغورنوي كاراباخ لصالح أذربيجان بعد قتال استمر ستة أسابيع بين الجمهوريتين السوفيتيتين سابقا. رغم دراما الانتخابات الأمريكية، تابع المعلقون الألمان التطورات في قوقاز باهتمام.

https://p.dw.com/p/3lFYR
Berg-Karabach Konflikt
صورة من: Aris Messinis/AFP/Getty Images

بعد معارك دامية استمرّت ستة أسابيع في إقليم ناغورني كاراباخ الانفصالي، وقعت أرمينيا وأذربيجان اتفاقاً لإنهاء الأعمال القتالية برعاية روسية، بعدما أصبحت القوات الأرمنية على وشك الانهيار. اتفاق كرس الانتصارات العسكرية الأذرية بعد معارك أسفرت عن 1500 قتيل في حصيلة جزئية. ودافع رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، الذي تعتبره المعارضة مسؤولاً عن هذه الهزيمة، عن قراره، مؤكداً أن توقيع وقف المعارك كان الوسيلة الوحيدة للحفاظ على الجمهورية المعلنة من جانب واحد في ناغورني كاراباخ. الانتصار الذي حققته أذربيجان جاء بدعم تركي بالأساس، ولكن أيضا بفضل استثمار باكو المليارات من البتروـ دولارات في أحدث أنظمة الأسلحة، وخاصة الطائرات المسيرة. باكو استغلت ظرفية دولية دقيقة تميزت بجائحة كورونا وتراجع الدور الأمريكي في المنطقة لشن حرب سريعة حققت فيها مكاسب ترابية كبيرة. وكما في ملفات دولية كثيرة (سوريا، ليبيا، شرق المتوسط) لعبت روسيا وتركيا دورا مهما في هذه التطورات. فكيف تابع المعلقون وصناع الرأي في ألمانيا تطورات الوضع في القوقاز؟

صحيفة "فرانكفورتر روندشاو" الألمانية (12 نوفمبر 2020) علقت على اتفاق وقف إطلاق النار هذا وكتبت "هذه الهدنة ليست حلاً سلميًا نهائيا (...) مع دخول قوات حفظ السلام الروسية إلى المنطقة، تُمنح موسكو مرة أخرى دور الحكم وضابط الشرطة، لكن كشريك صغير لتركيا. (...) هذه المرة يبدو أن بوتين هو الفائز الثاني فقط". ما تخشاه الصحيفة تأكد فعلا، فبمجرد الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار، تجمع آلاف المتظاهرين في وسط العاصمة الأرمينية يريفان، فيما طالب الكثيرون باستقالة رئيس الوزراء نيكول باشينيان بسبب التنازلات الترابية لأذربيجان المجاورة. وردد المتظاهرون "نيكول خائن" في ميدان الحرية وسط اشتباكات مع الشرطة. وقال أرتور فانيتسيان السياسي المعارض ورئيس المخابرات السابق "اليوم نبدأ تحركا لحماية وطننا. سنقاتل حتى النهاية." وقال متحدث باسم الحكومة إن المعارضة لن يُسمح لها بالاستيلاء على السلطة. وتعتبر الأمم المتحدة ناغورنو كاراباخ جزءا من أذربيجان التي تقطنها أغلبية مسلمة. 

مراسلون حول العالم - معاناة المدنيين في الحرب حول ناغورني كاراباخ

غموض بشأن تفاهمات العرابين الروسي والتركي

"فرانكفورتر روندشاو" أوضحت أن "أرمينيا خسرت نصف الحرب فقط، وانتصرت أذربيجان بالنصف فقط. لن يشعر الأرمن بأنهم في وطنهم في كاراباخ، لكن الأذربيجانيين المنتصرين لم يعد لديهم سبب حقيقي لإجراء مفاوضات جديدة. الصراع دخل مرحلة جديدة، لكن لم ينته بأي حال من الأحوال". ويبدو أن جزءا كبيرا من أوراق اللعبة هو الآن في يد الطرفين التركي والروسي اللذين اتفاقا على تفعيل مشترك لمركز للإشراف على وقف إطلاق النار في ناغورنو كاراباخ. اتفاق أكده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لكن الطرف الروسي لم يؤكد بعد. أردوغان أوضح أن المركز سيتم إنشاؤه في الأراضي التي استولت عليها أذربيجان بالقتال. وأضاف اردوغان أن "كل الإجراءات التي تهدف الى تجنب انتهاك وقف إطلاق النار في كاراباخ سيتخذها هذا المركز"، دون ذكر تفاصيل. ولكن يبدو أن موقع مركز المراقبة المخطط له محل خلاف، فقد قال دميتري بيسكوف المتحدث باسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن موسكو لا تتصور أن تتم إقامته في منطقة كاراباخ نفسها. ونقلت وكالة الأنباء الروسية تاس عن بيسكوف قوله إن روسيا تعتقد أن هذا المركز يجب أن يقام على أراض أذربيجانية غير متنازع عليها. وقال أردوغان إن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ستشرف على عودة مواطني أذربيجان إلى ناغورنو كاراباخ. ونشرت روسيا قوات حفظ سلام في الإقليم بعد أن وافقت أرمينيا وأذربيجان على وقف الأعمال العدائية في المنطقة.

ويذكر أن الكرملين أكد في وقت سابق أن اتفاق السلام بين أرمينيا وأذربيجان لا يتضمن نشر أي قوات حفظ سلام تركية في المنطقة. ونقلت وكالة "تاس" الروسية عن المتحدث الرئاسي دميتري بيسكوف القول "لم يتم الاتفاق على نشر جنود أتراك في كاراباخ"، في إشارة إلى الاتفاق الذي توصلت إليه أرمينيا وأذربيجان وروسيا. الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، أكد من جانبه إقامة مركز حفظ السلام "بجنود روس وأتراك في الخدمة"، وأضاف أن تركيا ستلعب دورا في مراقبة وقف إطلاق النار. وفي هذا السياق أعلنت أنقرة أن وفدا روسيا سيصل (الجمعة 13 نوفمبر 2020) إلى تركيا للبحث في المراقبة المشتركة لوقف إطلاق النار في الإقليم لمتنازع عليه.

بوتين أم أردوغان ـ من الفائز الحقيقي في كاراباخ؟

صحيفة "فرانكفورته ألغماينتسايتونغ" (العاشر من نوفمبر 2020) كتبت "لفترة طويلة، بدا الأمر كما لو أن هجوم أذربيجان على أرمينيا، بدعم من تركيا، سيرافقه تراجع للنفوذ الروسي في جنوب القوقاز، غير أن العكس تماما هو الذي حدث". فالرئيس فلاديمير بوتينهو من أعلن بنفسه (التاسع ن نوفمبر 2020)، إلى جانب نظيريه الأذربيجاني إلهام علييف، والأرميني نيكول باشينيان وقف إطلاق النار الكامل في الإقليم المتنازع عليه. الدور الروسي تمثل في إرسال موسكو الفوري لـ2000 من جنودها لضمان تنفيذ الاتفاق، والتي انتشرت في سبع مقاطعات وجزء صغير من ناغورني كاراباخ، التي أصبحت عمليا تحت الحماية الروسية. كما سيحمي الجيش الروسي على وجه الخصوص ممر لاتشين، وهو طريق الإمداد الوحيد الذي يربط ناغوريو كاراباخ بأرمينيا. وأضافت الصحيفة الألمانية أن موسكو "تمكنت من قلب الوضع لصالحها. لقد تمت المبالغة في تقدير نفوذ تركيا إلى حد كبير، أو أن الكرملين تمكن من الإطاحة بأنقرة".

ويرى بعض المراقبين أن إقليم كاراباخ، لم يكن أولوية بالنسبة لبوتين، وأنه ترك الحرب تستمر ومكنه ذلك من قلب الأوضاع في أرمينيا والتخلص من باشينيان المعروف بميولاته للغرب. ويذكر أن الأخير تم انتخابه بعد انتفاضة شعبية جعلته يشعر بالاستقلالية اتجاه روسيا، وهو ما لم يكن الكرملين ينظر إليه بعين الرضا. صحيفة "يونغه فيلت" الماركسية التي تصنفها السلطات الألمانية ضمن اليسار المتطرف كتبت بدورها (12 نوفمبر 2020) منتقدة بعض الذين ينتقدون في ألمانيا روسيا بشكل منهجي وكتبت "كنا سنفتقد حقا شيئا ما، لو لم يتحدث أحد الكارهين المحترفين في ألمانيا لروسيا. مانويل سارازين، المتحدث باسم شؤون أوروبا الشرقية لحزب الخضر الذي قال: "لا ينبغي أن يكون لدى الحكومة الألمانية أية أوهام: أهداف الكرملين لا علاقة لها بالسلام، بل بالتأثير والسيطرة السياسية على المنطقة". ونقلت عنه وكالات الأنباء قوله "(...) احتلت روسيا الميدان منذ فترة طويلة بجنودها البالغ عددهم 2000 فرد".

الخارطة التالية ورسومها البيانية تظهر كيف كانت موازين القوى في منطقة ناغورني كاراباخ قبيل اندلاع الحرب الأخيرة:

	Infografik Timeline Krise Bergkarabach NEU! AR

موقف فرنسا ـ بين المطرقة والسندان

باريس اختارت منذ البداية معسكرها، وأعلنت دعمها لكامل لأرمينيا، غير أن فرنسا وقفت عاجزة أمام التطورات الميدانية. مكتب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أعلن أن فرنسا تريد العمل على الفور من أجل التوصل لتسوية سياسية طويلة الأمد تمكِّن السكان الأرمن من البقاء في منطقة ناغورنو كاراباخ. وقالت الرئاسة الفرنسية (قصر الإليزيه) إن باريس تواصل المحادثات مع روسيا "للتوصل إلى اتفاق دائم يحفظ مصالح أرمينيا ويحترمها". وتترأس فرنسا والولايات المتحدة وروسيا، بشكل مشترك، مجموعة مينسك التي تسعى لحل الصراع الدائر في ناغورنو كاراباخ منذ تسعينيات القرن الماضي. وأفاد قصر الإليزيه بأن فرنسا ملتزمة بضمان أن أي اتفاق يعطي الشعب الأرميني "ضمانات قوية بشأن السكان المدنيين وأمنهم وتطلعاتهم"، وكذلك ضمان الأمن والاستقرار في المنطقة. كما قال إنه ينبغي على الداعم الرئيسي لأذربيجان، في إشارة إلى تركيا، أن "تضع حدا لاستفزازاتها" و"لا تفعل شيئا للتنازل عن إمكانية التوصل إلى اتفاق دائم يجري التفاوض عليه بين الأطراف في إطار مجموعة مينسك".

رد فعل باكو على التصريحات لفرنسية، نقلته وكالة الأنباء الروسية "سبوتنيك"، اتهمت فيه أذريبدجان فرنسا بعدم الحياد وبتصريحات أحادية الجانب تقف إلى جانب أرمينيا بدلاً من أن تكون محايدة كرئيسة مشاركة في مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا. وبهذا الصدد قال مساعد الرئيس الأذربيجاني حكمت غادييف "إن المسؤولين الفرنسيين يدلون بتصريحات ذاتية ومنحازة. فرنسا تنهج علانية سياسة مؤيدة للأرمن وتوجه اتهامات لا مبرر لها ضد أذربيجان، على الرغم من أنها يجب أن تظل محايدة وفقًا لتفويضها". وأضاف أن فرنسا تسعى لأن تكون "أرمينية أكثر من الأرمن". ويذكر أن هناك جالية أرمينية مؤثرة تعيش في فرنسا قوامها 700 ألف شخص.

التوافق الروسي التركي ـ تهميش للقوى الغربية؟

التقارب الروسي التركي في القوقاز سيكرس بلا شك أزمة حلف شمال الأطلسي ويزيد من تعقيد العلاقات الروسية الأمريكية. فواشنطن لا تنظر بعين الرضا لسياسة الرئيس رجب طيب أردوغان في المنطقة وخلافاتها المتزايدة مع دول في حلف الناتو والاتحاد الأوروبي كاليونان وفرنسا وقبرص. وبالنسبة لروسيا، تعد زيادة توثيق علاقاتها مع تركيا كحليف رئيسي داخل الناتو، سيؤجج الخلافات داخل الحلف، وقد يقوض بالتالي الجهود الغربية لعزل روسيا. غير أن العلاقات التركية الروسية ذاتها لا تقل تعقيدا، فالتوترات بين تركيا واليونان لا تخدم بالضرورة المصالح الروسية.

وبهذا الصدد ذكر تقرير لخص نتائج لقاءات خبراء متخصصين من المجلس الروسي للشؤون الدولية ومركز الدراسات الاستراتيجية والدولية "أنه على الرغم من أن لموسكو وأنقرة وجهات نظر متعارضة بالنسبة للكثير من نزاعات المنطقة، فإن أي شراكة مصالح، حتى لو كانت محدودة، تساهم في ازدهار الطموحات الإقليمية لتركيا وروسيا على السواء، لملء الفراغ الذي خلفته الولايات المتحدة في المنطقة".

حسن زنيند

 

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد