الدراما التاريخية التركية.. هل لديها أجندة سياسية؟

المسلسل التركي قيامة أرطغرل يحظى بمتابعة كبيرة في العالم العربي
إنجين ألتان بطل المسلسل التركي "قيامة أرطغرل" (الأناضول)
خليل مبروك-إسطنبول

فتح النجاح الكبير الذي حققه عدد من المسلسلات التركية التاريخية شهية المنتجين الأتراك لتقديم المزيد من هذه الأعمال التي ذاع صيتها على الشاشات العربية فضلا عن اجتذابها المشاهد المحلي.

ففي العشرين من مارس/آذار الجاري سيعرض المسلسل التركي "السلطان الفاتح" الذي يلعب دور البطولة فيه الممثل التركي المعروف كنان إميرزلي أوغلو -الشهير عربيا بعمار الكوسوفي- ليجسد قصة السلطان العثماني محمد الثاني الملقب بالفاتح، لأنه فتح القسطنطينية (إسطنبول) عام 1453.

ويعرض المسلسل بالتزامن مع المسلسل التاريخي الشهير "قيامة أرطغرل"، ومسلسل آخر بعنوان "تحدث أيها البحر الأسود"، بعد نجاحات سجلتها مسلسلات "كوت العمارة" و"السلطان عبد الحميد" وغيرها.

وقدمت الدراما التاريخية نفسها للمشاهد التركي بـ"جرأة كبيرة" وهي تتناول تمجيد الدولة العثمانية، خلافا لأعمال من قبل كانت تنتقد حقبة السلطنة برمتها مثل مسلسل "حريم السلطان".

وفتحت نجاحات الدراما التاريخية بابا واسعا للتساؤل عمن يقف وراء هذه المسلسلات؟ وهل للحكومة دور في تمويلها؟ وكيف استطاعت أن تجذب ملايين المشاهدين العرب؟

أصابع الحكومة
واقتحمت القنوات التركية الخاصة -مثل "القناة دي" (Kanal D) التي ستبث مسلسل الفاتح- ميدان المنافسة على الإنتاج الدرامي الذي كان محتكرا لصالح القناة التركية الرسمية "تي آر تي" (TRT).

لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن الحكومة التركية بعيدة عن سيناريوهات هذه المسلسلات، وإن تعذر إثبات ذلك بشكل رسمي.

‪لقطة من مسلسل السلطان عبد الحميد‬ (الصحافة التركية)
‪لقطة من مسلسل السلطان عبد الحميد‬ (الصحافة التركية)

إذ يرى الكاتب والمحلل السياسي التركي مصطفى أوزجان أن إنتاج المسلسلات التركية وبثها على القناة الرسمية يعني ضمنيا تبني الحكومة لها، مؤكدا أن المسلسلات التركية الجديدة بشكل عام موجهة من قبل الحكومة للتعريف بالماضي التركي الإسلامي.

وفي حديثه للجزيرة نت، يلفت أوزجان النظر إلى تشجيع الحكومة لتصوير هذا النوع من المسلسلات "معنويا"، وهو الأمر الذي يزيد من شهرتها ويمنحها فرصا إضافية لتحقيق مشاهدات أعلى.

وعلى مدار السنوات الثلاث الماضية، ظهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزراء في الحكومة التركية وحزب العدالة والتنمية الحاكم أكثر من مرة في مواقع التصوير مع الممثلين في مسلسل قيامة أرطغرل وهم يرتدون ثيابهم التاريخية.

وتجول نجوم المسلسل في عدد كبير من الدول العربية ضمن بعثات وزيارات رسمية تركية، التقوا خلالها بالجمهور العربي.

ويعرف عن حزب العدالة والتنمية المحافظ اعتزازه بالتاريخ العثماني لتركيا، وقد شهدت سنوات حكمه منذ عام 2002 عودة مطردة لمظاهر الحياة العثمانية إلى الحاضر التركي.

فعلى سبيل المثال، عادت "مهتران" -وهي الجوقة العثمانية التي كانت تتقدم الجيش في المعارك والفتوحات- لتحيي الفعاليات الشعبية التركية، كما أضيف جنود يرتدون الزي العثماني لحرس الشرف في قصر الرئاسة التركي بالعاصمة أنقرة.

الدراما البديلة
ويصف أوزجان المسلسلات التركية القديمة مثل "حريم السلطان" بأنها كانت على طرف النقيض مع آراء الحكومة، معتبرا أن المسلسل كان يشوّه حياة السلطان سليمان القانوني.

ويرى أوزجان أن السبب الرئيس لانتشار هذه المسلسلات في العالم العربي لا يعود لكونها من إنتاج تركي، بل بسبب افتقار السينما العربية والإسلامية لمسلسلات مثيلة لها تتحدث عن تاريخ إسلامي وبطولات قديمة يحدو الناس الشوق لمتابعتها.

‪أوزجان تيكيتي: لا ارتباط بين الدراما التركية والأجندة السياسية للحكومة‬ (الجزيرة)
‪أوزجان تيكيتي: لا ارتباط بين الدراما التركية والأجندة السياسية للحكومة‬ (الجزيرة)

ويؤكد في المقابل أن المسلسل التاريخي السوري "الظاهر بيبرس" الذي أنتج قبل سنوات لقي رواجا واسعا في تركيا، لأن الشاشة التركية كانت تفتقر لمشاهد البطولة التي يتعطش لها المشاهد.

وتتمتع الدراما التاريخية التركية بعوامل جذب قوية للمشاهد العربي الذي ترتبط بلاده بتاريخ طويل من العلاقة مع العثمانيين الأتراك.

ويؤكد الصحفي التركي أوزجان تيكيتي أن الثقافات المشتركة بين شعوب المنطقة من أسباب تفوق الدراما التاريخية التركية التي تستنبط "سيناريوهاتها" من الثقافة العثمانية التي يشترك فيها العرب أيضا.

ويبدو تشابه الصورة الدرامية للمسلسلات التاريخية التركية مع الواقع العربي عاملا مهما في جذب المشاهد العربي، الذي تقفز إلى ذهنه صور العشرات من قادة أمته بمجرد رؤية خيانة الوزير السلجوقي سعد الدين كوبيك في مسلسل قيامة أرطغرل.

لكن تيكيتي يرفض القول إن للمسلسلات التاريخية التركية أجندة سياسية، قائلا إن ذلك يقلل من قيمة إبداع ممثليها.

ويشير في حديثه للجزيرة نت إلى أن هذه المسلسلات "ملهمة وذكية وتشبه ما تقوم هوليود بإنتاجه"، مذكرا بأن صناعة المسلسلات التركية يعود عمرها إلى قرن من الزمن، وأن هذه الصناعة لم تأت فجأة ولا يمكن وصفها بأنها مشروع موجه للتأثير على شعوب المنطقة.

ويرى الصحفي التركي أن الطابع العلماني للدراما الذي يتناقض مع طبيعة الحكومة المحافظة يهيمن على الإنتاج الدرامي التركي بالعموم، مشيرا إلى أن حكومة بلاده لن تكون سعيدة مثلا بمسلسل مثل "حريم السلطان" ولا تريد عرض هذه الحياة للناس.

ولكنه استدرك قائلا "السياسة التركية الخارجية خلال العقدين الماضيين شهدت نقلة واسعة ولا يمكن فصل الدراما التركية عن ذلك".

المصدر : الجزيرة