محمد ناصر
بعد كتاب «العلاقات الكويتية ـ اللبنانية.. التشابه والقدر المشترك» يتابع الزميل حمزة عليان رحلة الغوص في توثيق وتأريخ العلاقات المتجذرة بين البلدين عبر كتابه الجديد الصادر عن مركز البحوث والدراسات الكويتية «الكويت ولبنان بين جغرافيتين ثمن الموقع والتميز» والذي أتى زاخرا بالمعلومات منقبا وباحثا فيه عن أصغر التفاصيل بدءا من تاريخية العلاقات الديبلوماسية بين البلدين ومستعرضا أوجه التشابه بينهما من حيث حجمهما الجغرافي وقوتهما الاقتصادية والحرية الموجودة فيهما والديموقراطية، معرجا في ذلك على الشأن الاقتصادي الذي استفاض فيه مقدما للقارئ لمحة عن الاتفاقيات الثنائية والمساعدات المالية والمنح والقروض وختم عليان اصداره الجديد بعرض اتفاقيات التعاون بين البلدين منذ عام 1972 حتى نهايات العام المنصرم. أتى الكتاب بمثابة دراسة توثيقية شاملة لتاريخية العلاقات الثقافية والسياسية والاقتصادية وذلك استكمالا لجهد مركز البحوث والدراسات الكويتية في توثيق تاريخ الكويت الديبلوماسي مع الدول حيث سبق للمركز إصدار كتب تفصيلية ترصد العلاقات الكويتية ـ المصرية والعلاقات الكويتية ـ الإيرانية والكويتية ـ العراقية والخليجية والهندية والبريطانية وغيرها.
قدم الكاتب المعلومة بأسلوب مبسط مقسما الكتاب الى ثمانية فصول اعتمد فيها شهادات وروايات اشخاص عاصروا التجربتين اضافة لمصادر اخرى كالصحف اليومية والكتب.
ولئن سبق للزميل حمزة عليان عرض تاريخية هجرة اللبنانيين.. البدايات والدور وحضورهم وتواصلهم منذ العشرينيات في كتابه السابق ارتأى وتعميما للفائدة وبغية تقديم كتاب متكامل إعادة هذا الجزء مع اضافات ومواد جديدة.
وحرص الكاتب في نهاية اصداره الجديد على سرد النص الرسمي لجميع اتفاقيات التعاون بين البلدين سبقها في الفصل الاقتصادي قائمة بالمنح والقروض والمعونات الفنية والخاصة من بداياتها عبر جداول بينت المشاريع وتكلفتها.
فبجانب المعلومة المبسطة والموثقة حفل الكتاب بصور تاريخية تظهر عمق العلاقة الممتدة على مختلف العهود بين البلدين.
المصير الواحد
يستهل عليان كتابه الجديد بشرح أوجه التشابه بين البلدين فيقول:
بلدان صغيران، أحدهما على الطرف الشرقي للبحر المتوسط، والآخر على الزاوية الشمالية الغربية للخليج العربي، موقعان استراتيجيان يربطان دولا بدول وقارات بقارات، الأول حباه الله جمال الطبيعة، والثاني أغدق عليه نعمة «الذهب الأسود».
متشابهان يواجهان مصيرا وقدرا واحدا، وكلاهما دفع ثمن موقعه وتميزه.
ولأنهما متشابهان في المظهر الاجتماعي والحريات العامة، فقد كانت علاقتهما عفوية تلقائية، ثم حميمة دافئة متميزة، الرسمية منذ ما يقرب من ستة عقود، والشعبية منذ ما يزيد على ثلاثة أرباع القرن.
التشابه أفرز جملة من التعقيدات، جمعت قدرا كبيرا من ظلم الجغرافيا والتاريخ، ويخلص الى ان القدر الجغرافي لم يحم النظامين من الهزات والارتدادات نظرا لأجواء الحريات التي يعيشها المجتمعان والدولتان مقارنة بالجيران الذين امتعضوا من تلك الممارسات.
تاريخ الديبلوماسية
ويستعرض الكتاب تاريخ العلاقات الديبلوماسية بين الدولتين الكويتية واللبنانية ويخلص الى ان هناك ثمانية سفراء كويتيين مثلوا بلدهم في لبنان، بمعنى من قدم أوراق اعتماده رسميا كسفير الى رئاسة الجمهورية اللبنانية، في حين مثل سبعة سفراء لبنانيين بلدهم في الكويت.
والذين أرّخوا لتلك العلاقات الديبلوماسية يعتبرون ان يوم الثالث من ديسمبر عام 1962 هو بداية الانطلاقة، عندما أنشأت الجمهورية اللبنانية «سفارة غير مقيمة» في الكويت وانتدبت السيد حسيب العبدالله ليتسلم مهام منصبه قائما بالأعمال من 17 ديسمبر 1962 واصبحت سفارة مقيمة في الحادي والعشرين من اغسطس عام 1964، حيث مثلها السفير الراحل علي بزي، وفي عام 1962 أقامت الكويت سفارة لها في بيروت، واتخذت لها مقرا في شارع «فردان»، ثم انتقلت الى منطقة «الرملة البيضاء» لتستقر في منطقة «بئر حسن» على مدخل مدينة بيروت الجنوبي، ومنذ ذلك الحين باتت تعرف باسم منطقة السفارة الكويتية.
هذا من ناحية السفارات لكن الواقع الموثق يشير الى ان لبنان بادر بالاعتراف الفوري باستقلال الكويت عام 1961 ليفاجأ في اليوم التالي بوصول سفيره في بغداد د.سعيد الأسعد مطرودا من العاصمة العراقية التي اعتبرت اعتراف لبنان باستقلال الكويت «بادرة عدائية» تجاه العراق؟
وأول سفير للكويت عين في لبنان هو السيد محمد أحمد الغانم، الذي جمع بين التجارة والوزارة والعمل الديبلوماسي، وكان له دور كبير في تأسيس السفارتين في كل من بيروت والكويت.
وقد ذهب الغانم الى بيروت عام 1963 بعد ان طلب منه صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الالتحاق بوزارة الخارجية، واختاره ليكون أول سفير للكويت في لبنان، حيث قدم أوراق اعتماده الى الرئيس الراحل فؤاد شهاب، اضافة الى مهامه في سورية أيضا.
وتابع الكاتب توثيق رحلة الديبلوماسية اللبنانية في الكويت حيث كانت بداية التمثيل الديبلوماسي اللبناني مع الكويت كانت مع السفير اللبناني الراحل علي بزي (1962 ـ 1964م) وهي فترة لم يتسن الاطلاع على مجرياتها، لكنها اللبنة الأولى في تاريخ العلاقات المشتركة والمتينة، بحكم الانفتاح الكويتي على لبنان من خلال مواسم لاصطياف وانسياب العلاقات الاقتصادية وغيرها، ليتابع مسيرة السفراء اللبنانيين في الكويت مع مقتطفات أحاديث من تجربتهم في الكويت.
الأسرى والمعتقلون
ويستعرض الكتاب اختلاط الدم اللبناني بتراب الكويت اثناء الاحتلال العراقي الغاشم، حيث توحدت هموم الدولتين على صعيد قضية الاسرى والمعتقلين، فكما كانت الوقفة اللبنانية مع المساندة والدعم للاسرى والمعتقلين الكويتيين من قبل النظام العراقي نتيجة احتلاله العسكري وزج المئات من المواطنين ووضعهم في السجون، كذلك كان الحال مع موقف الكويت بمساندة قضية المعتقلين اللبنانيين في السجون الاسرائيلية، وبعد اعلان التحرير وانسحاب الجيش الاسرائيلي من الاراض اللبنانية عام 2000، تبرع رئيس اللجنة الوطنية لشؤون الاسرى والمفقودين الشيخ سالم الصباح بمبلغ 30 الف دولار الى لجنة المتابعة لدعم قضية الاسرى وذلك في العاشر من اكتوبر عام 2001.
وفي الشهر السابع من عام 2003، اعلن فريق البحث عن الاسرى استشهاد الاسيرة دعد عمر الحريري، لبنانية الجنسية، اما الشهيد الاسير الثاني فيدعى صبحي خليل حيدر الذي نقلت رفاته على متن طائرة كويتية بأمر امير الكويت آنذاك الشيخ جابر الاحمد رحمه الله الى لبنان «شهيدا كويتيا».
مؤازرة في وجه الاعتداءات الإسرائيلية
سارعت الكويت كعادتها بمؤازرة لبنان من جراء الاعتداءات الاسرائيلية التي شنتها ضد المنشآت المدنية واستهدفت محطات الكهرباء في عدوان وحشي وذلك في شهر فبراير عام 2000، قام في حينه النائب الاول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية آنذاك الشيخ صباح الاحمد بزيارة قصيرة الى بيروت اكد فيها وقوف بلاده سياسيا واقتصاديا الى جانب الشعب اللبناني، وانها ستباشر قريبا وبالتعاون مع جمهورية مصر العربية بتأهيل المنشآت الكهربائية التي دمرتها الاعتداءات الهمجية الاسرائيلية.
ونقلت الوكالة الوطنية للاعلام بتاريخ 16 فبراير 2000 ان امير الكويت آنذاك الشيخ جابر الاحمد رحمه الله اكد «وقوفه بجانب لبنان في كل الشدائد وان كل ما يعزز لبنان يسعدنا وكل ما يضيمه يضيمنا» وذلك في اثناء استقباله لنقيب المحررين ملحم كرم.
وازاء ذلك، عاشت الكويت في قلب الحدث، حيث دعت 18 جمعية نفع عام لدعم لبنان من خلال مهرجان خطابي وبيان مشترك وحملة تبرعات.
لبنان وتحرير العراق
وتطرق كتاب عليان الجديد الى الفتور الذي اصاب العلاقات بين البلدين اثناء حرب تحرير العراق، حيث كان هناك تحفظ في الموقف اللبناني تجاه سقوط نظام صدام حسين عام 2003 على يد القوات الاميركية، وهذا ما أوجد حالة من الفتور والعتب بين الدولتين، ففي الوقت الذي اعتبرت فيه الكويت ان سقوط صدام انهى مرحلة مأساوية امتدت منذ عام 1990 وتعرضت فيها الكويت لمآس ونكبات وتهديدات وخلق فوضى امنية وسياسية، في هذا الوقت ظهر من يزايد على حساب مصالح الامة العربية ويقيس مواقفه بعلاقاته مع الولايات المتحدة الاميركية دون النظر الى ما يسببه وجود نظام البعث في الحكم على صعيد العلاقات العربية ـ العربية وما أوجده من تمزق وانقسامات ادى الى تفكك النظام العربي.
في تلك الفترة، زار رئيس الحكومة اللبنانية الراحل رفيق الحريري الكويت في 6 مايو 2003 واجرى لقاءات ومشاورات لتوضيح الموقف الرسمي الذي يختلف عما ظهر في الصحافة اللبنانية من آراء واتجاهات مغايرة وتجاوزت بذلك سحابة الصيف التي لازمت العلاقات المشتركة طوال الحرب الاميركية على العراق وبروز خلافات في الموقف من قبل عدد من الدول العربية على قاعدة التمايز في الرؤية لما يجري في تلك الدولة.
واستعرض الكتاب مواقف الكويت المشرفة اثناء حرب يوليو والدعم الكبير معنويا وماديا عبر تقديم هبة بقيمة 300 مليون دولار لاعادة بناء القرى والمدن وتخصيص 185 مليون دولار لمشاريع البنية التحتية.
وفي الفصل الاقتصادي، ابرز الكتاب تاريخ العلاقات التجارية، واستعرض الاحصاءات والاتفاقيات واحصى المساعدات المالية التي مدت فيها الكويت يد العون للبنان وعدد المنح والقروض وسرد البعد الانساني للعلاقات المتمثل في المساعدات الانسانية عبر الجمعيات الخيرية والمدنية.
ديبلوماسية صاحب السمو كرّست دور الكويت التوفيقي في الشأن اللبناني
تطرق الكاتب إلى زيارة صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد إلى لبنان حيث أرست زيارة سموه دعائم جديدة للعلاقات الكويتية ـ اللبنانية، وأسفرت الزيارة التي جرت في شهر مايو 2010 عن توقيع ست اتفاقيات شملت مجالات التعاون الاعلامي والاقتصادي والتجاري والثقافي والفني، وتمويل مشروع بناء متحف بيروت وانشاء لجنة للتعاون الثنائي، وكان سموه موضع ترحيب وتكريم واشادة بالدور الذي لعبته الكويت وبالعلاقة التي نسجتها وبالاجماع اللبناني الذي تحظى به الكويت لاسيما المبادرات التي قامت بها والوساطات التي اقدمت عليها في التحضير لاتفاق الطائف 1989 الذي كان نتيجة لجهود لجنة الوساطة السداسية التي ترأسها صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الاحمد عندما كان يشغل منصب نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية.
وكان الرئيس اللبناني ميشال سليمان قد قام بزيارة رسمية للكويت استغرقت يومين اجرى خلالها مباحثات رسمية مع صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الاحمد في 20 و21 يناير 2009 بعد مشاركته في اعمال مؤتمر القمة العربي الاقتصادي الاول الذي استضافته الكويت وهي الزيارة الاولى له بعد انتخابه رئيسا توافقيا جديدا في 25 مايو 2008 وحضور ممثل الامير وهو المستشار عبدالرحمن العتيقي لمراسم انتخابه وتقديم التهنئة للبنان وشعبه والتمني بأن يحفظ الله لبنان وشعبه من كل مكروه، فقد كانت الكويت طوال الأزمة السياسية الخانقة والانقسام الداخلي الذي اعقب العدوان الاسرائيلي في يوليو 2006 وادى لتعطيل الحياة السياسية في لبنان داعمة لأي اتفاق يصل إليه القادة اللبنانيون حول منصب الرئاسة الأولى والالتزام بالدستور لاجتياز ازمته.
وعلى امتداد عامي 2007 و2008 لم تنقطع الزيارات واللقاءات بين الدولتين، فقد زار رئيس الوزراء فؤاد السنيورة آنذاك الكويت والتقى سمو رئيس الحكومة الشيخ ناصر المحمد للتشاور حول المستجدات والبحث في موضوع مؤتمر دعم لبنان الذي عقد في باريس نهاية عام 2007 والتداول بشأن الأزمة السياسية وحلها بالحوار والتفاهم.
وكان الدور التوفيقي على الدوام نهج السياسة الخارجية الكويتية في الشأن اللبناني وأزماته وحروبه المتواصلة منذ بدايات الحرب الاهلية عام 1975 الى اليوم.
وفي عام 2009 كان للديبلوماسية الكويتية تحت قيادة صاحب السمو الامير الشيخ صباح الاحمد الدور الفعال في جمع القادة العرب على ارضها، والعمل على وحدة الصف، وخاصة بين السعودية وسورية ومصر، مما ترك اثرا ايجابيا في تثبيت مبادئ اتفاق الدوحة الذي انهى الازمة الدستورية اللبنانية التي اصابت الدولة بالشلل، وسمح بإجراء انتخابات رئاسية وتشكيل حكومة وحدة وطنية في نوفمبر 2009 وإجراء انتخابات نيابية يونيو 2009 وامتدت العلاقات الى الجوانب الامنية والعسكرية وشهدت زيارات متبادلة بين القيادات العليا في الجيشين 2000-2001 كان من نتائجها المشاركة في دورة القيادة والأركان التي اقامتها كلية الاركان اللبنانية في بيروت عام 2001 وتبادل الخبرات والزيارات العسكرية.
وأثناء زيارة النائب الاول لرئيس الوزراء ووزير الدفاع الشيخ جابر المبارك الى لبنان في شهر يونيو 2008 ابلغ الرئيس ميشال سليمان بأن يكون المستشفى العسكري اللبناني من اولويات المساعدات الكويتية لإعادة ترميمه وإصلاحه.
وفي مجال التعاون الأمني المشترك بقيت قنوات الاتصال مفتوحة بين الدولتين فيما يتعلق بضبط المجرمين وتسليم المطلوبين ومكافحة الارهاب.
واقرأ ايضاً:
ميقاتي والحريري «وجهاً لوجه»: سياسات وخطط المرحلة المقبلة
كاتبان سعوديان ينتقدان رئيس الحكومة السابق ويتهمان 14 آذار باستعمال نفس أسلوب حزب الله
المسيطير: قيادة الحرس حريصة على الارتقاء بمستوى الرماية
«الأبحاث» ينظّم ورشة علمية حول تنمية القدرات الوطنية في الأمن النووي
الفهد: اللائحة التنفيذية لـ «الرعاية السكنية» هدية المرأة في الأعياد الوطنية
علم الكويت رفرف فوق المحافظات
سفاراتنا بالخارج دشنت احتفالاتها
احتفالات الوزارات بدأت برفع العلم
«زين» الراعي الرئيسي لمهرجان «هلا فبراير»
الصقعبي: مفاجآت كثيرة في كرنفال هلا فبراير
الرفاعي يدعو الخالد للتمسك بالاستقالة ويؤكد وجود تيار صوفي واسع بالكويت
الشارخ: نتائج اختبارات المتقدمين للعمل في «الخارجية» تعلن اليوم
الراشد: زيارة وفد «الصحافيين» إلى غزة أتت من منطلق المسؤولية القومية
«الشؤون»: إشهار المبرة التطوعية البيئية
جائزة الشيخ سالم العلي للمعلوماتية تستقبل طلبات العمل التطوعي
البدر: 45 شركة حصلت على قسائم زراعية وسنكشف عن مفاجآت من العيار الثقيل خلال الاحتفالات
البرجس: إعلان معايير التكريم يخلق تنافسية أكبر بين الموظفين