تابعنا
تخصص تركيا الموارد ورأس المال السياسي على نحوٍ متزايد لضمان قوة علاقتها بعديد من الدول الإفريقية. تستعد تركيا قريباً لافتتاح سفارات جديدة في توغو وغينيا بيساو حتى ترفع تمثيلها الدبلوماسي إلى 42 سفارة منذ أن بدأت الانفتاح على إفريقيا عام 1998.

كان تفاعل تركيا مع إفريقيا منخفضاً بين عامي 1923 و1998، وكان لذلك سببان: أولهما أنّ تركيا كانت -بصفتها جمهوريةً مؤسَّسة حديثاً- تمتلك قليلاً من الموارد الاقتصادية التي لا تكفي لمتابعة أجندة سياسة خارجية ذات بعدٍ إفريقي، وثانيهما أنّ السياسة الخارجية التركية كان لها توجُّهٌ غربي صارم منذ أوائل العشرينيات حتى ستينيات القرن الماضي.

ورغم أنّ الجمهورية التركية حديثة التأسيس لم تمتلك القدرة الاقتصادية لترك بصمةٍ شاملة في إفريقيا، فإن أولى السفارات التركية افتُتِحَت في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء داخل أديس أبابا عاصمة إثيوبيا عام 1926.

كما طبّقت تدابير الرعاية الصحية في مدغشقر ضد الطاعون عام 1945، فتقلّصت المسافات بينها وبين إفريقيا تدريجياً في الخمسينيات، واعترفت بكل الدول المستقلة حديثاً خلال فترة إنهاء الاستعمار.

كما عزّزَت تركيا علاقاتها مع القارة الإفريقية بافتتاح قنصلية في نيجيريا عام 1956، وقنصلية في غانا عام 1957، وسفارة في غانا عام 1964.

وواصلت افتتاح السفارات بمجرد حصول دول المغرب وتونس وليبيا والسودان على الاستقلال، واستمرت هذه السياسة مع سفارات نيجيريا عام 1962، والسنغال عام 1962، وكينيا عام 1968.

وأخيراً وليس آخراً، نُظّمَت أولى الزيارات الدبلوماسية بين مسؤولي دول إفريقيا جنوب الصحراء، وتركيا، مع زيارة الإمبراطور الإثيوبي هيلا سيلاسي لتركيا في مارس/آذار عام 1967، وزيارة الرئيس التركي جودت صوناي لإثيوبيا في ديسمبر/كانون الأول عام 1969.

ورغم سعي تركيا إلى تنويع سياستها الخارجية في منتصف الستينيات والسبعينيات بغرض الحصول على دعم المجتمع الدولي في قضية قبرص، فإن ذلك الدعم المتوقّع لم يتحقق.

ولتدهور العلاقات مع الولايات المتحدة في السبعينيات، صار حرص تركيا على تعزيز علاقاتها مع الدول الإفريقية أكثر وضوحاً من أي وقتٍ مضى، إذ افتتحت سفارتها في جمهورية الكونغو الديمقراطية عام 1974، وأرسلت مساعدات طبية إلى زيمبابوي عام 1978، ووقّعت في عام 1979 اتفاقية تعاون اقتصادي وتقني مع سيراليون.

وأكّد فولكان إبيك، الأكاديمي المتخصص في الشأن الإفريقي، أنّ العلاقة في النصف الأول من الثمانينيات لم تكن مربحة نتيجة الانقلاب العسكري في تركيا الذي استمر من 1980 وحتى 1983. ومع ظهور حكومة مدنية جديدة عام 1983 أعادت تركيا تنويع سياستها الخارجية.

بالتالي خصّصَت مساعدات أجنبية بقيمة 10 ملايين دولار لغامبيا، وغينيا، وغينيا بيساو، وموريتانيا، والسنغال، والصومال، والسودان. واستهدفت جهود الحكومة الجديدة لتحسين العلاقات مع إفريقيا إعادة بناء علاقات تركيا قديمة الأزل مع القارة.

وسرعان ما وقعت تركيا اتفاقيات تعاون اقتصادي وتقني بين عامَي 1987 و1997 مع نيجيريا، وتشاد، وجيبوتي، وغامبيا، وزامبيا، وبوتسوانا، والسودان، والسنغال، وإثيوبيا، وغانا، وغينيا. كما افتتحت تركيا سفارةً في بريتوريا بجنوب إفريقيا عام 1994، وزار الرئيس التركي تورغوت أوزال السنغال عام 1996.

مرحلة الانفتاح 1998-2020

أُعِدّت أول "خطة عمل لإفريقيا" عام 1998، إذ اتَّخَذ قرار الانفتاح على إفريقيا إسماعيل شيم، وزير خارجية تركيا بين عامي 1997 و2002. وجاء القرار أيضاً نتيجة لقرار الاتحاد الأوروبي استبعاد تركيا من العضوية الكاملة في قمة لوكسمبورغ عام 1997.

وشدّدَت الخطة على ضرورة تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية مع إفريقيا، واقترحت زيادة التمثيل الدبلوماسي التركي في القارة، لذا افتُتِحت -أو أُعيد افتتاح- سفارات جديدة في غانا وساحل العاج وزيمبابوي، بالإضافة إلى 12 سفارة قائمة.

وجاء مزيد من التطورات في السياسة الخارجية تجاه إفريقيا في عهد حكومة حزب العدالة والتنمية، التي يقودها الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، إذ أعلنت تركيا عام 2005 "عام إفريقيا"، ليمثل علامةً فارقة في تاريخ العلاقات التركية-الإفريقية.

وكان انتخاب تركيا لعضوية غير دائمة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عام 2008 دافعاً أساسياً وراء إعادة الانفتاح التركي على إفريقيا، وبعد إعلان عام 2005 "عام إفريقيا"، دفعت تفضيلات السياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية بتركيا إلى تبنّي سياسة خارجية أكثر نشاطاً تجاه إفريقيا.

بالتالي، زار رجب طيب أردوغان إثيوبيا وجنوب إفريقيا في مارس/آذار عام 2005.

وحقّقَت جهود تركيا نتائج ملموسة تدريجياً بين عامي 2005 و2008. وفي عام 2005، مُنِحَت تركيا صفة "مراقب" في الاتحاد الإفريقي، كما صار أردوغان أول رئيس وزراء تركي يلقي خطاباً أمام الجمعية العامة للاتحاد الإفريقي خلال زيارته إثيوبيا عام 2007.

كذلك أعلن الاتحاد الإفريقي عام 2008 تركيا "شريكاً استراتيجياً للقارة"، وعُقِدَت "قمة التعاون التركي-الإفريقي" بمشاركة 49 دولة إفريقية في إسطنبول بين 18 و21 أغسطس/آب عام 2008.

هذه الوتيرة المتسارعة بين 2005 و2008، ضمن حملة تركيا في الأساس لانتخابها عضواً غير دائم في مجلس الأمن، هي دليلٌ في حد ذاتها على مساعي تركيا لتأسيس مكانة دولية أعلى لم تكن ممكنةً دون الانخراط بعمقٍ أكبر في إفريقيا.

وبرزت مكانة تركيا الصاعدة في تقرير "الآفاق الاقتصادية الإفريقية لعام 2011"، إذ صدر التقرير عن البنك الإفريقي للتنمية ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ونصّ على أنّ تركيا واحد من أهمّ الأطراف الفاعلة الجديدة داخل القارة. ومن هذا المنطلق، يمكن القول إنّ التعاون التنموي يُقيَّم باعتباره ركيزةً أساسية لعلاقة تركيا مع إفريقيا.

إذ تطوّر الوكالة التركية للتعاون والتنسيق (تيكا)، بمكاتبها في 22 دولة، مشاريع تنموية للقارة بأكملها منذ عام 2005.

ولا شك في أنّ مساعي تركيا بعيدة المدى لتحسين علاقاتها مع إفريقيا منذ عام 1998 هي منطقيةٌ تماماً، وخير دليل على ثقة تركيا المتجددة بقدرتها على تحقيق رؤية عالمية تتجلّى في زيارات أردوغان لنحو 30 دولة إفريقية خلال ولايته، وافتتاح سفارات تركية جديدة في توغو وغينيا بيساو، وارتفاع عدد البعثات الدبلوماسية داخل إفريقيا.

هذا الموضوع مُترجَم عن شبكةTRT World.

TRT عربي