ترك برس

كان عام 1991 العام الذي دق جرس انتهاء الحرب الباردة التي نشبت بين القطبين الغربي بقيادة الولايات المُتحدة الأمريكية والشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي، استمرت الحرب باردة لقرابة الست وأربعين عام، شهدت خلالهما تنافس سياسي وعسكري واقتصادي وثقافي وإعلامي وإيديولوجي شديد بين القطبين، وفي أواخر الثمانينات بدأت تظهر على الاتحاد السوفيتي أعراض الإرهاق والتراجع، وفي 25 ديسمبر 1991 استقال زعيم الاتحاد السوفيتي "ميخائيل غرباتشوف" الذي مهد للعديد من جمهوريات الاتحاد السوفيتي الفرصة للاستقلال،  باستقالة غرباتشوف وبإعلان عدد كبير من الجمهوريات السوفيتية الاستقلال نال الاتحاد السوفيتي مصير التفكك والانهيار.

تميزت فترة التسعينات التي عقبت الحرب الباردة مباشرة، بالهيكلية التالية:

ـ الاهتمام الأمريكي الضخم بمصادر الطاقة واتباع منهج "الحماية الأمنية مقابل الطاقة".

ـ تدهور الاقتصاد الروسي بشكل كبير، وانسحاب روسيا عن الساحة الدولية، ودخول العالم تحت ظل سيطرة القوة العظمى الواحدة، ليصبح يطلق على تلك الحقبة بحقبة "القطب الأحادي".

ـ انتشار قضايا جديدة في العالم مثل أمن المعلومات، أمن الطاقة، الإرهاب.  

أما الشرق الأوسط، فكان العراق قد خرج حديثا ً من حربه الطويلة والمُكلفة مع إيران، ومع تخفيض أسعار النفط زادت أزمات العراق المتراكمة تدهورا ً، طلب العراق من دول الخليج العربي ومنظمة أوبك رفع أسعار النفط، ولكن لم تكن هناك أذان صاغية لطلب العراق، عاد وأوعز العراق دول الخليج العربي بضرورة رفع أسعار النفط لتفادي الخسائر الطائلة التي كُبد بها العراق خلال حربه على إيران، ولكن تعنتت دول الخليج العربي ولم تلبي المطلب العراقي.

تراكم الأزمات الاقتصادية في العراق، حاجة العراق إلى منافذ بحرية أوسع لإيصال نفطه إلى السوق العالمية بشكل أوسع، دفعا العراق للإقدام على احتلال الكويت بتاريخ 2 أغسطس 1990، وبذلك يكون فتيل الحرب الخليجية الأولى قد أوقد.

عقب بدء الحرب الخليجية، شدد رئيس الوزراء التركي "يلديريم أق بولوت" ووزير الخارجية "علي بوزار" ورئيس الأركان "نجيب تورومطاي" بضرورة الحذر الشديد في الموقف التركي تجاه الأوضاع الجارية، ورأوا أنه من الأفضل انتهاج الموقف الحيادي تجاه الأحداث الجارية، لكن الرئيس التركي "تورجوت أوزال" رأى من الحرب الخليجية فرصة لا بد من انتهازها لإعادة العلاقات التركية الأمريكية إلى عهدها السابق، بعد انخفاض الأهمية الاستراتيجية لتركيا بالنسبة للولايات المُتحدة الأمريكية، لذا قرر أوزال الوقوف إلى جانب الولايات المُتحدة  الأمريكية في الموقف الذي ستتخذه ازاء الأحداث الجارية في المنطقة.

على الرغم من حماسة أوزال في الوقوف إلى جانب الولايات المُتحدة الأمريكية المعارضة للاحتلال العراقي والساعية إلى صده من خلال الحرب، إلا أن أن تركيا في بداية الأزمة تبنت سياسة "معتدلة" واكتفت بدعوة العراق إلى الانسحاب من الكويت، أُعجبت القيادة العراقية بالموقف التركي المعتدل وحُفزت للقاء المسؤولين الأتراك ودعوتهم إلى عدم الانضمام إلى قرار الأمم المتحدة القاضي بفرض الحصار الدولي المفروض على العراق، والإبقاء على استيرادهم للنفط العراقي عبر خط "كركوك ـ يومورتاليك".

ولكن الرئيس أوزال كان مصمم على استغلال فرصة التقارب إلى الولايات المُتحدة، لذا أغلق خط استيراد النفط وانضم إلى قرار الحصار الدولي على العراق وقطع العمليات التجارية مع العراق بشكل كامل وفتح القواعد العسكرية التركية للولايات المُتحدة والناتو وأعلن أنه سيكون طرف في التحالف الدولي ضد احتلال العراق للكويت.

لم يكن الهدف الأساسي لأوزال من الوقوف إلى جانب التحالف الدولي ضد العراق، هو تذكير الولايات المُتحدة الأمريكية بالأهمية الاستراتيجية لتركيا والمساهمة في إعادة الاستقرار إلى العراق، بل كان يهدف إلى المشاركة في التحالف الدولي للسيطرة معه على منطقة شمال العراق ومنطقتي الموصل وكركوك.

على الصعيد العربي لم يكن الموقف التركي موفق، إذ أنه على الرغم من المعارضة الشديدة التي أبدتها المملكة العربية السعودية ومصر وسوريا والإمارات العربية المتحدة قطر والبحرين لاحتلال العراق للكويت، إلا أنهم اعترضوا على السياسة التركية لخارجية النشطة في القضية، خوفا ً من تبعات لا توافق المصالح العربية في المستقبل، وعبرت هذه الدول عن اعتراضها بعد التزامها باتفاقيات الأسلحة الموقعة بينهم وبين تركيا.

أما ليبيا والمغرب والأردن والجزائر وتونس أدانوا وبشدة فتح تركيا قواعدها العسكرية ضد العراق التي تُعد جارة لها وتجمعها عددا ً من العلاقات السياسية والاقتصادية الجيدة معها.

وعلى الصعيد السياسي الداخلي والشعبي التركي، كان هناك انتقاد شديد من الساسة الأتراك لأوزال الذي اتبع سياسة الانحياز الشديد للولايات المُتحدة الأمريكية، وكما كان هناك اعتراض شعبي شديد على هذه السياسة، وانقسم الشارع التركي بين معارض لهذه السياسة وكان هذا القسم كبير، وبين مساند ولكن بحذر وهذه كانت ثلة قليلة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!