شعار قسم ميدان

نفوذ دولي وريادة إقليمية.. تعرف على أسباب الاستثمار القطري في الرياضة

ميدان - أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة والشيخة موزة وكاس الفيفا
اضغط للاستماع
      
مقدمة الترجمة
مؤخرا، وعلى شاشة قناة الجزيرة، بُثّت حلقة برنامج "ما خفي أعظم" تحت عنوان "خلف الستار"، والتي تناولت ملابسات قرصنة قنوات "بي إن سبورتس" من قبل مجموعة أطلقت على نفسها اسم "BEOUTQ)، وهي الحلقة التي كشفت بالوثائق والمقاطع المرئية الحصرية ضلوع جهات من المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية في عملية القرصنة تلك، في سعيهم لطرح بديل عن القناة الرياضية القطرية، وذلك بعد أسابيع فقط من إعلان حصار الدوحة.
   
لم تكن جهود القرصنة تلك سوى مؤشر لأهمية الرياضة كركيزة أساسية في إستراتيجية قطر العالمية، فهي التي ستستضيف الحدث العالميّ الأبرز، كأس العالم 2022 لكرة القدم، وهي التي تستضيف الآن كأس العالم لألعاب القوى 2019، وتمتلك إحدى أكبر المنصات الإعلامية الرياضية في العالم. وليست هذه الأمثلة سوى نماذج مقتضبة عن أهمية الرياضة في الإستراتيجية القطرية.. فلماذا كل هذه المساعي، وعلامَ تستند قطر في إستراتيجيتها الرياضية؟

     

     

نص التقرير

منذ فوزها بحق استضافة  كأس العالم 2022، تحوّلت أنظار العالم كلها نحو قطر. وبينما يثني البعض على تطورها ودخولها المسرح العالمي، تساءل البعض الآخر عن شرعية هذا البلد "الصغير" في استضافة هذا الحدث الضخم. كما أثيرت شكوك عن الطرق التي ربما تكون قد استخدمتها قطر للتأثير في مجالات الرياضة والأعمال والسياسة، وتسامحها مع الثقافات الأخرى (بما في ذلك استهلاك الكحول)، وبالطبع حرارة صيفها الحارقة. إلا أن رؤية قطر الطموحة في الرياضة ليست ظاهرة جديدة أو نتاج صدفة. بل إنها في الواقع دلالة على نهج استراتيجي -اتبعته قطر بحكمة- يستخدم الرياضة باعتبارها أداة للتنمية والعلاقات العامة. ويمكن تقسيم هذه الاستراتيجية إلى أربع ركائز رئيسية؛ وهي الاستثمار المباشر في صناعة الرياضة، واستضافة الأحداث الرياضية الكبرى، وتنشئة نخبة رياضة، ودبلوماسية الرياضة.

      undefined

   

الاستثمار في صناعة الرياضة

الركيزة الأولى  في إستراتيجية قطر هي الاستثمار المباشر في صناعة الرياضة؛ حيث شهدت السنوات الماضية انخراط قطر في حملة استثمارية قوية في عالم الرياضة العالمي من خلال قطر للاستثمارات الرياضية (QSI). وكانت QSI، التي تأسست في عام 2005  بوصفها مبادرة مشتركة بين اللجنة الأولمبية القطرية ووزارة المالية،  تقف وراء الاستحواذات الرئيسية في عالم الرياضة، بما في ذلك نادي باريس سان جيرمان لكرة القدم، والعلامة التجارية للملابس الرياضية (BURRDA)، ومختلف حقوق البث التلفزيوني  لمباريات كرة القدم التي منحت لقناة الجزيرة الرياضية حينها، فضلاً عن رعايتها أفضل الأندية الأوروبية مثل نادي برشلونة لكرة القدم، التي تقدّر بـ30 مليون يورو سنويًا من 2011 إلى 2016.

         

كما بيعت قرية لندن الأولمبية لعام 2012 إلى شركة الديار القطرية مقابل 557 مليون جنيه إسترليني. وكان الغرض من هذا الاستثمار، كما ذكرت نخبة الحكام ورجال الأعمال، هو المساعدة في تعزيز القطاعات الاقتصادية الأخرى مثل تجارة التجزئة، والممتلكات، والضيافة، والسياحة، باعتبار ذلك جزء من استراتيجية أوسع لتقليل الاعتماد على النفط والغاز، وبالتالي استكشاف مشاريع اقتصادية آمنة أخرى في جميع أنحاء العالم.
  

وكانت الاستراتيجية حتى الآن مثمرة، ومن الأمثلة على ذلك قناة بي إن سبورتس الرياضية ومقرها قطر، والتي تهيمن الآن على حقوق بث المباريات الرياضية الكبرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقامت بتوسيع اتفاقية حقوق البث الخاصة بها مع الفيفا لكأس العالم 2018 و 2022 في روسيا وقطر. وتغطي هذه الاتفاقية الإرسال عبر الكابل والأقمار الصناعية والبث الأرضي والمحمول والإنترنت واسع النطاق عبر 23 منطقة ودولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وقدرت قيمة الصفقة بمبلغ  مليار دولار أمريكي.  وكما عملت القناة أيضًا على توسيع سوقها إلى أوروبا والولايات المتحدة ، فنافست شبكات رياضية كبرى أخرى مثل Canal + و ESPN.

  

استضافة الأحداث الرياضية والتطوير الرياضي

كان تنظيم دورة الألعاب الآسيوية في الدوحة 2006 بمثابة نقطة تحول بالنسبة لاستراتيجية قطر في استضافة الأحداث الرياضية الكبرى. ففي سيرها نحو نهائيات كأس العالم 2022-والتي ستكون أول حدث رياضي ضخم يتم تنظيمه في المنطقة- نجحت قطر في تأمين استضافة العديد من المسابقات الرياضية الدولية، مثل بطولة العالم للسباحة القصيرة لعام 2014 ، بطولة العالم لكرة اليد عام 2015 ، وكذلك بطولة العالم للدراجات على الطريق 2016 وبطولة 2018 الفنية للجمباز. وفي تحليل بيانات القادة السياسيين وصانعي القرار في الرياضة والصحافة المحلية، تؤكد الروايات السائدة حول ما يتعلق بالأساس المنطقي وراء تنظيم الأحداث الرياضية الدولية استجابة قطر لاتجاهات العولمة، التي تمزج بين الثقافة التقليدية والحداثة. وانضمام قطر إلى القيم العالمية للديمقراطية والتضامن وحقوق الإنسان، واحترامها للاختلافات الثقافية، واعتبارها نقطة التقاء بين الشرق والغرب.

      

undefined

  

وكجزء من استراتيجيتها، تطمح قطر لتكون مركزًا للتميز الرياضي في المنطقة. وفي سبيل ذلك يتم تكريس موارد مالية ضخمة لبناء أحدث المرافق الرياضية ومراكز لتنمية رياضة النخبة. وتوظيف اللاعبين والمدربين الأجانب للمساهمة في تطوير مستويات الأداء للبطولات المحلية والفرق الوطنية في الرياضات الرئيسية، خاصة في الرياضات الجماعية مثل كرة القدم وكرة اليد وكرة السلة وكرة الطائرة. وعلاوة على ذلك، يتم توظيف علماء الرياضة من جميع أنحاء العالم لدعم تطوير نظام رياضي متميز في البلاد. وتعد  أكاديمية أسباير الرياضية وASPITAR (مستشفى جراحة العظام والطب الرياضي في قطر) هما الركيزتان الأساسيتان لاستراتيجية التطوير هذه.

  

يقع كلاهما في "أسباير زون" التي تعتبر الآن مركز صناعة الرياضة، ورياضة النخبة والرياضة المجتمعية في الدوحة. وشعار مؤسسة أسباير زون كما هو مذكور في صفحتها على الإنترنت هو أنه بحلول عام 2020 ، "سنكون المرجع في التميز الرياضي على مستوى العالم". وبالإضافة إلى استيرادها للمهاجرين المهرة في مجال الرياضة، تشجّع قطر أيضًا، ظهور المدربين والرياضيين النخبة ومديري الرياضة من أبناء قطر. وكان الحاصل على الميدالية البرونزية في قطر في أولمبياد لندن 2012 معتز برشم، الذي يتخصص في الوثب العالي، هو أول مواطن قطري تخرج من أكاديمية أسباير ليحصد ميدالية في الألعاب الأولمبية. وتظهر البيانات الأخيرة الصادرة عن الإحصائيات القطرية حول مسئولي الفرق المسجلة في الاتحادات الرياضية أن القطريين هم الآن من المنافسين البارزين في عدد من الرياضات بما في ذلك كرة اليد وكرة القدم والكرة الطائرة.
 

دبلوماسية الرياضة وخلق الهوية الرياضية

تعد الرياضة جزء لا يتجزأ من دبلوماسية  قطر. ففي بناء تحالفات مع عالم المال والسياسة وإقامة حضور من حيث المكانة الدولية وخلق الهوية الرياضية، تحتل قطر مناصب صنع القرار في المنظمات الرياضية الإقليمية والقارية والدولية. ويشجع المركز الدولي للأمن الرياضي (ICSS) ومختبر قطر لمكافحة المنشطات، قطر باعتبارها دولة عالمية رائدة في حماية النزاهة الرياضية الدولية ومكافحة الفساد والاستغلال والتعاطي في الرياضة. و أصبح مؤتمر الدوحة جولز  DOHA GOALS مناسبة سنوية لجمع قادة العالم في السياسة والأعمال والإعلام، وبالطبع كبار حملة الأسهم في الرياضة،  في الدوحة للتحدث عن قوة الرياضة في "الجمع بين الثقافات". كما قال الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، إن قطر بلد يمكن فيه التوفيق بين العقيدة والتقاليد والحداثة. وتحقيقا لهذه الغاية، تم إطلاق متحف قطر الأولمبي والرياضي مؤخرا لتعزيز وحماية التراث الثقافي العربي.
        

   

وخلال الألعاب الأولمبية، نظم المركز معرضا للصور الفوتوغرافية لبريدجيت لاكومب وفيديوهات ماريان لاكومب في قلب لندن تحت عنوان "المرأة العربية في الرياضة". وكان الهدف من ذلك أن يكون رسالة قوية للمجتمع الدولي بأن قطر، في الوقت الذي تحمي فيه تراثها كبلد عربي ومسلم، تفتح باب الرياضة أمام النساء. رحبت الحركة الأولمبية بمشاركة المرأة القطرية في الألعاب الأولمبية للمرة الأولى.
  
وشاركت الشيخة موزة بنت ناصر المسند، زوجة الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، أمير دولة قطر السابق، بنشاط في تقديم عرض بلادها. ومن بين جميع البلدان الأخرى التي تقدمت بعروض، كانت المرأة الوحيدة التي شاركت في العرض النهائي لملف العطاءات. ومع ذلك ، فإن نفوذ قطر المتنامي في الرياضة لا يرحب به الجميع. ويذهب بعض المحللين إلى حد الادعاء بأن استثمار قطر في الرياضة لا يمكن تفسيره بالنواحي الاقتصادية. ويجادلون بأن هذه الظاهرة هي ظاهرة سياسية ناتجة عن عواقب العولمة، والتي تسمح للدول الغنية الصغيرة بالامتلاك لاكتساب نفوذ سياسي هائل.
 

طموح قطر المشروع وسط الشكوك

نتيجة للاستثمار الكبير في الرياضة والتطوير، وتأثير قناة الجزيرة الإخبارية في العالم العربي، نجحت قطر في إعادة تحديد مكانتها باعتبارها فاعلة مؤثرة في مجال الأعمال والسياسة، ووجهة عالمية جديدة للرياضة.  وتوصف  قطر بأنها "دولة صغيرة ذات سياسات كبيرة". وبالمثل، أصبحت قطر "دولة صغيرة ذات طموح رياضي كبير". ومع ذلك، فإن استراتيجية خلق الهوية الرياضية قد عرضت البلاد أيضًا أمام تساؤلات وسائل الإعلام الدولية والمنظمات غير الحكومية في مجال الحقوق المدنية وحماية البيئة. وينظر لتحديات كبيرة متعلقة بالمخاوف البيئية الناشئة عن بناء المرافق الرياضية الضخمة. كما أثيرت مخاوف بشأن حقوق العمالة والتنقل  للاعبين المحترفين الأجانب. فضلا عن التساؤل حول استدامة استراتيجية الاستثمار القطرية في الرياضة، مع الأخذ في الاعتبار انخفاض مستوى المشاركة الرياضية بين القطريين، والتكلفة المالية الضخمة للمحافظة على المرافق الرياضية، والعائد النسبي المنخفض على الاستثمار فيما يتعلق بالأداء الرياضي على المستوى الدولي.
 
ومع ذلك ، يمكن القول إن قطر- كما هو الحال في أي بلد آخر- لها الحق في أن تكون طموحة في أي مجال وأن تحمي مصالحها الوطنية. ومن الناحية الرياضية، ترغب قطر في مكانها في السوق الرياضية الدولية ولعب دور نشط في تقديم العطاءات وتنظيم الأحداث الرياضية الدولية، وريادة الأداء الرياضي على الأقل في شبه الجزيرة العربية، وتحسين ترتيبها على مستوى العالم، وكلها طموحات مشروعة.

___________________________________________

ترجمة: سارة المصري

هذا التقرير مترجم عن: E-International Relations ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.

المصدر : الجزيرة