إصدار اللائحة التنفيذية لقانون التجارب السريرية خطوة إيجابية وتتويج لنموذج مشاركة المجتمع في التشريع

بيان صحفي

27 مارس 2022

ترحب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بإصدار اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم البحوث الطبية الإكلينيكية في 12 مارس 2022، وذلك بعد أكثر من عام منذ صدور القانون في أواخر ديسمبر 2020. يمثل القانون ولائحته إطارا تنظيميا وقانونيا جيدا لحماية حقوق المرضى والمتطوعين والمتطوعات في التجارب السريرية التي ستتم في أي مرفق صحي أو بحثي داخل مصر. 

كانت المبادرة قد وجهت اهتماما كبيرا في السنوات الأخيرة إلى ملف التجارب الطبية السريرية. بدأ ذلك في عام 2016 عندما أصدرت المبادرة بالتعاون مع العديد من المنظمات البحثية المحلية والدولية، تقريرها "أسئلة أخلاقية حول التجارب السريرية في مصر".  و كان لهذا التقرير رد فعل مجتمعي وإعلامي واسع محليا ودوليا، حيث أوضح أن القوانين القائمة لم تكن كافية لحماية المرضى المصريين الخاضعين للتجارب السريرية التي تمولها الشركات الدولية في مصر، وشابها العديد من أوجه العوار التي كانت لا تتماشى مع القوانين المماثلة في الدول الأخرى. 

وبعد ذلك ظهر اهتمام صناع القرار بتحديث الإطار القانوني المنظم للتجارب الطبية السريرية في مصر، وعقدت جلسات داخل مجلس النواب للنقاش حول مشروع قانون تنظيم التجارب السريرية. وفي 12 أبريل 2018  حضرت المبادرة المصرية جلسة استماع عقدتها لجنة الصحة بالبرلمان وقدمت المبادرة خلالها بعض التوصيات والمقترحات.

ومر النقاش حول القانون بمراحل عديدة لعل أبرزها هو موافقة مجلس النواب بجلسة 14 مايو 2018 على مسودة القانون. إلا أن هذه المسودة أثارت اعتراضات كثيرة وقتها بسبب التمثيل المبالغ فيه للجهات الأمنية في عملية الموافقة على إجراء البحوث الطبية، والعراقيل غير المبررة لعملية إرسال العينات إلى الخارج بالإضافة إلى ضعف تمثيل الباحثين والجهات المعنية بالبحث العلمي والمجتمع المدني في الجهات واللجان التي ينشئها القانون. وبسبب هذه الاعتراضات أعادت رئاسة الجمهورية مشروع قانون تنظيم البحوث الطبية والإكلينيكية إلى المجلس مرة أخرى.

وعندما أقر البرلمان النسخة الأخيرة من القانون في 24 من أغسطس 2020 رحبت به المبادرة، حيث "يحقق القانون بنسخته الأخيرة 85% من توصيات المبادرة الصادرة في تقريرها عام 2016." 

وفي ١٢ مارس الجاري، صدرت اللائحة التنفيذية للقانون ونصت على حقوق المبحوثين (المرضى/المتطوعين) بشكل واضح في المادة (20) " يتمتع المبحوث بالحقوق الآتية: 1- الحق فى الانسحاب من البحث الطبى وقتما يشاء ودون إلزامه بإبداء أي أسباب لذلك، ويجب على الباحث الرئيسي تبصرة المبحوث بالأضرار الطبية الناجمة عن انسحابه كتابة. 2- عدم الإفصاح عن الهوية أو أى بيان من بيانات المبحوثين والمبحوثات إلا بعد توافر شروط المبرر العلمي الذي تقره اللجنة المؤسسية المختصة ويعتمده المجلس الأعلى وبموافقة كتابية من المبحوث أو ممثله القانوني. 3- الحصول على نسخة مكتوبة من الموافقة المستنيرة باللغة الأم للمبحوث مع الشرح المستفيض من الباحث لطبيعة البحث والغرض منه وتوضيح الفائدة التي سوف يضيفها البحث للمرض وكذلك الآثار الجانبية التى قد يتعرض لها مع توضيح تقريبي لنسبة حدوث الآثار الجانبية على المبحوث."

لماذا تهتم المبادرة بملف التجارب السريرية؟

كان من الضروري إنشاء إطار تشريعي وقانوني قوي معزَّز بنظام مراقبة فعال ومستقل، للتأكد من استفادة المواطنين من التجارب السريرية التي تقام في مصر واحترام حق المريض في استمرار العلاج بعد انتهاء التجربة، والتأكد من إتاحة الفرصة للمرضى وتمكينهم من إعطاء الموافقة المستنيرة طواعية. ولعل التجارب السريرية التي أجريت على لقاحات كوفيد-19 أظهرت بوضوح الأهمية القصوى لوجود نظام تشريعي يحكم إجراء التجارب السريرية. وقامت وزارة الصحة المصرية بالفعل بالشراكة مع الحكومة الصينية، وشركة G42 الإماراتية للرعاية الصحية بالمشاركة في المرحلة الثالثة من التجارب الإكلينيكية على لقاحين لفيروس كورونا "ساينوفارم". يمكنكم قراءة تعليق المبادرة على هذه التجربة هنا. ويثبت قلق العديد من المواطنين والمواطنات وقتها من المشاركة والتطوع في التجربة على لقاحي ساينوفارم أهمية وجود جهات علمية مستقلة تراقب وتنظم إجراء التجارب السريرية. 

ومع التسليم بأن كلا من القانون ولائحته التنفيذية يمثلان خطوات جيدة في اتجاه الحفاظ على حقوق الخاضعين للتجارب، فإن المأخذ الأساسي عليهما هو غياب تمثيل المجتمع المدني والجمعيات العاملة في مجال الحق في الصحة وروابط المرضى وغيرهم من المعنيين عن الإطار التنفيذي والرقابي في القانون واللائحة.

فالمجلس الأعلى لمراجعة أخلاقيات البحوث الطبية الاكلينيكية التابع لمجلس الوزراء يتشكل من 3 من أعضاء هيئة التدريس بالجامعات يختارهم الوزير المختص بالتعليم العالي والبحث العلمي، و2 من الأساتذة الباحثين بالمراكز والمعاهد والهيئات البحثية ذات الصلة يختارهم الوزير المختص بالتعليم العالي والبحث العلمي، وممثلَين عن وزارة الصحة والسكان يختارهم الوزير المختص بالصحة، وممثل عن هيئة الدواء، وممثلين من وزارة الدفاع والداخلية والمخابرات (وأشار القانون واللائحة إلى إلزامية استطلاع رأي جهاز المخابرات العامة في حال البحوث التي تجرى مع جهات أجنبية والدراسات العمالية المشتركة)، بالإضافة إلى أحد نواب رئيس مجلس الدولة يختاره رئيس المجلس، و3 من الشخصيات العامة من ذوي الخبرة، اثنين يختارهما وزير التعليم العالي والبحث العلمي، وواحد يختاره وزير الصحة.

من جانب آخر، فإن القانون يقسم سلطة تنظيم إجراء التجارب السريرية والمراقبة عليها بين ثلاث جهات: 

  •   المجلس الأعلى لمراجعة أخلاقيات البحوث الطبية الإكلينيكية، ودوره:

 1- إنشاء قاعدة بيانات خاصة بالبحوث الطبية تشتمل جميع الوثائق والبيانات والمعلومات.

2- وضع المعايير والضوابط واللوائح الخاصة بأخلاقيات البحوث الطبية لحماية حقوق المبحوث/المتطوع.

3- المراجعة النهائية للمخططات البحثية (البروتوكولات) التي تشمل استخدام مركبات دوائية مستحدثة أو دواعي استعمال جديدة أو مستلزمات أو أجهزة طبية لم تستخدم في جسم الإنسان من قبل، وإصدار القرار النهائي لأي منها بالموافقة على هذه المخططات والتعديلات التي ترد عليها أو رفضها، وكذلك استطلاع رأي جهاز المخابرات العامة في حال البحوث التي تجرى مع جهات أجنبية والدراسات العالمية المشتركة. 

4- المراجعة الدورية والتفتيش على الجهات البحثية التي تجرى فيها البحوث الطبية الإكلينيكية. 

5- فحص الشكاوى التي ترد من الأفراد أو الجهات ذات الصلة إلى المجلس في شأن الأبحاث الطبية الإكلينيكية، والبت فيها.

  • اللجان المؤسسية لمراجعة أخلاقيات البحوث الطبية الإكلينيكية: 

تشكل داخل كل جهة بحثية بقرار من السلطة المختصة بهذه الجهة لجنة مؤسسية ويشترط تسجيلها بالمجلس الأعلى، وتختص برعاية حقوق المبحوثين والمبحوثات، ومراجعة المخططات البحثية التي تقدم إليها، وتقوم بإخطار المجلس الأعلى بجميع البحوث المقدمة إليها، ومراقبة الباحث الرئيسي وراعي البحث (الجهة التي تمول البحث). و تقوم اللجنة المؤسسية المختصة بمراجعة البروتوكول والموافقة عليه بصفة نهائية دون حاجة للتصديق من أي جهة أخرى، بالنسبة للأبحاث غير التداخلية أو التداخلية التي لا تشمل استخدام مركبات دوائية مستحدثة أو بيولوجية أو دواعي استعمال جديدة أو أشكالاً أو مستلزمات وأجهزة طبية لم تستخدم في جسم الإنسان من قبل، وتشمل بروتوكولات رسائل الماجستير والدكتوراه والأبحاث الحرة.

  • هيئة الدواء المصرية: 

تختص هيئة الدواء المصرية بالتفتيش على الجهات البحثية التى يجرى بها البحث الطبي الإكلينيكي بغرض التحقق من الممارسة الطبية الجيدة، وفحص ومراجعة الوثائق والتجهيزات والسجلات وغيرها من المصادر ذات الصلة بالأبحاث الطبية، ورصد أى ملاحظات أو مخالفات وإعداد تقرير عن نتيجة التفتيش وإخطار المجلس الأعلى بها، و متابعة وتقييم التقارير الدورية الخاصة بالبحث الطبي الإكلينيكي محل الدراسة.

 وحددت اللائحة الجهات الدولية بأنها سلطات صحية خارج جمهورية مصر العربية مسؤولة عن اعتماد التدخلات الطبية مثل: وكالة الأدوية الأوروبية (EMA)، هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA)، إدارة السلع العلاجية الأسترالية (TGA)، وكالة الصحة الكندية (Health Canada)، الوكالة التنظيمية للأدوية ومنتجات الرعاية الصحية بالمملكة المتحدة (MHRA).

ختاما، فإن القانون ولائحته مثال جيد للتعاون مع المجتمع المدني والالتفات لتوصياته وإشراكه في صنع التشريعات التي تلبي احتياجات اجتماعية قائمة، عندما يتم السماح بمثل هذا التعاون. وهناك ضرورة أيضا للسماح للمجتمع المدني والجمعيات العاملة في مجال الحق في الصحة  بالرقابة على التنفيذ. على سبيل المثال، فعندما تجرى تجربة سريرية مثل التي أجريت على لقاحي ساينوفارم، من المفترض أن يتم السماح للمجتمع المدني بمراقبة التجربة، خاصة في الشق المتعلق بمدى الالتزام بحقوق المتطوعين والمتطوعات والمرضى. كما أنه من المهم التحذير من خطورة التوسع في استخدام القيود الأمنية التي وضعها القانون في حالة الدراسات التي تتم بالتعاون "مع جهات أجنبية، والدراسات العالمية المشتركة" لأنه قد يمنع الاستفادة من التقدم التنظيمي والتشريعي الذي حدث، ويعيق البحث العلمي.