على مقهى في الشارع الصيني < الرئيسية

تعزيز الشراكة الإستراتيجية بين الصين ودول الخليج العربية

: مشاركة
2022-02-18 17:08:00 الصين اليوم:Source حسين إسماعيل:Author

على مدى أسبوع تقريبا في شهر يناير 2022، تحولت ووشي، وهي مدينة هادئة في مقاطعة جيانغسو بشرقي الصين، إلى قبلة لوسائل الإعلام العالمية والمحللين السياسيين والاقتصاديين. بدأ الاهتمام بالمدينة التي يرجع تاريخها إلى ثلاثة آلاف عام، بخبر قصير بثته وكالة ((شينخوا)) للأنباء الصينية في الثامن من يناير، جاء فيه أن وزراء خارجية السعودية والكويت وسلطنة عمان والبحرين والأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، سيزورون الصين بناء على دعوة من عضو مجلس الدولة وزير خارجية الصين وانغ يي، في الفترة من العاشر إلى الرابع عشر من يناير، وفقا لتصريح أدلى به المتحدث باسم وزارة خارجية الصين وانغ ون بين.

احتل الخبر العناوين الرئيسية في العديد من وسائل الإعلام المحلية والعالمية، وتباينت الاجتهادات في تحليل دلالة الزيارة والاجتماعات ومغزاها وتوقيتها، وحتى مكان انعقادها. صحيفة ((الشعب اليومية)) الصينية، نشرت في الحادي عشر من يناير بالطبعة العربية لموقعها الإلكتروني تعليقا بعنوان: "أي دلالات لزيارة وزراء خارجية دول الخليج العربية إلى الصين؟"، وقالت صحيفة ((هوانتشيو)) "غلوبال تايمز" في الثاني عشر من يناير: "الصين ودول الخليج العربية تتعهد بتعزيز الشراكة"؛ وفي ذات اليوم قالت صحيفة ((ساوث تشينا مورنينغ بوست "SCMP"))، التي تصدر بالإنجليزية في هونغ كونغ: "اجتماعات الصين مع وزراء الشرق الأوسط تمهد الطريق لبكين لتكثيف وجودها في المنطقة". كان من اللافت أن يزور وزراء خارجية أربع دول عربية خليجية وأمين عام مجلس التعاون لدول الخليج العربية الصين في نفس التوقيت.

في الثالث عشر من يناير، أصدرت وزارة خارجية الصين بيانا نشرته ((شينخوا))، يحمل عنوان: البيان المشترك بين وزارة الخارجية لجمهورية الصين الشعبية والأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، وجاء فيه أنه في الحادي عشر من يناير عقد عضو مجلس الدولة وزير خارجية الصين وانغ يي مباحثات مع معالي الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية د. نايف فلاح مبارك الحجرف في مدينة ووشي بمقاطعة جيانغسو في الصين، حيث تبادل الجانبان وجهات النظر على نحو ودي ومعمق حول العلاقات الصينية- الخليجية والقضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وتم التوصل إلى توافق واسع النطاق. وحسب البيان، اتفق الجانبان على ما يلي: أولا، ضرورة إقامة علاقات الشراكة الإستراتيجية بين الصين ومجلس التعاون الخليجي في أسرع وقت ممكن، بهدف زيادة تعميق مجالات التعاون المتبادلة ورفع مستوى التعاون العملي ومواجهة التحديات، بما يحقق التنمية المشتركة ويخدم المصالح المشتركة؛ ثانيا، التوقيع على خطة العمل المشتركة للحوار الإستراتيجي بين الصين ومجلس التعاون الخليجي بين عامي 2022 و2025 في أسرع وقت ممكن، من أجل فتح آفاق جديدة وتوسيع مجالات التعاون بين الجانبين؛ ثالثا، ضرورة إتمام المفاوضات حول اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ومجلس التعاون الخليجي في أسرع وقت ممكن، وإقامة منطقة التجارة الحرة بين الصين ومجلس التعاون الخليجي في وقت مبكر، بغية رفع مستوى تحرير وتيسير التجارة وحوكمة المصالح التجارية والاقتصادية للطرفين؛ رابعا، عقد الجولة الرابعة من الحوار الإستراتيجي بين الصين ومجلس التعاون الخليجي في الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية في الوقت المناسب للجانبين، من أجل تعزيز التواصل الإستراتيجي بين الجانبين ومتابعة البرامج التنموية لديهما، وتخطيط العلاقات والتعاون بين الصين ومجلس التعاون الخليجي في المستقبل.

في العاشر من يناير، التقى وزيرا خارجية الصين والسعودية، وذكرت ((شينخوا)) أنه بعد تبادل معمق لوجهات النظر، توصل الجانبان إلى توافق واسع بشأن العلاقات الثنائية والتعاون العملي والتنسيق المتعدد الأطراف. وقال وانغ يي إن الصين مستعدة للعمل مع السعودية من أجل التنفيذ المشترك للتوافق الهام الذي توصل إليه زعيما البلدين لتعزيز تنمية العلاقات الثنائية. وأضاف أنه يتعين على الجانبين مواصلة دعم بعضهما البعض بحزم في حماية المصالح الأساسية لكل منهما، ومعارضة الأحادية والتنمر بشكل مشترك، وحماية المصالح الجماعية للدول النامية والأعراف الأساسية الحاكمة للعلاقات الدولية. ومن جانبه، قال الأمير فيصل بن فرحان إن السعودية تعارض دائما التدخل في الشؤون الداخلية للصين، وتدافع بحزم عن مبدأ الصين الواحدة، وتؤيد بشدة الموقف الشرعي للصين بشأن المسائل المتعلقة بتايوان وشينجيانغ، فضلا عن حقوق الإنسان. وبشأن القضية النووية الإيرانية، قال وانغ إن الصين تدعم دول الخليج في إقامة منصات حوار متعددة الأطراف واتخاذ زمام المبادرة في القضايا الإقليمية. وقد كتب وزير خارجية السعودية تغريدة على "تويتر"، جاء فيها: "نتطلع مع الصين إلى توطيد الشراكة والتنسيق الثنائي بمختلف مجالات التعاون والعمل المشترك".

في الحادي عشر من يناير التقى وانغ يي مع وزير خارجية البحرين عبد اللطيف بن راشد الزياني. وقالت ((شينخوا))، إن وانغ يي قال خلال لقائه في ووشي مع الزياني، إن الصين تقدر التزام البحرين الثابت بالسياسة الودية تجاه الصين وتشكر البحرين على دعمها القوي في القضايا التي تتعلق بالمصالح الجوهرية للصين وشواغلها الرئيسية. وفي إشارة إلى أن الصين تؤيد التعددية وتمارسها بحزم وتدعم مقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه، أوضح وانغ أن الصين ستقف دائما إلى جانب الدول النامية والدول الصغيرة والمتوسطة للدفاع المشترك عن النزاهة والعدالة الدوليين. وأضاف أن الصين ترغب في أن تكون شريكا إستراتيجيا طويل الأمد وموثوقا للبحرين وأن تعمق الثقة والصداقة المتبادلتين. وأعرب وانغ عن استعداد الصين لتعزيز التعاون الثنائي في اتصالات الجيل الخامس والتجارة الإلكترونية والاقتصاد الرقمي والبيانات الكبرى وتعزيز التعاون في مجالات البنية التحتية ومشروعات الطاقة الكهروضوئية. ومن جانبه قال الزياني إن البحرين تولي أهمية كبيرة لتقوية وتعميق العلاقات مع الصين ومستعدة لتوسيع التعاون الثنائي في جميع المجالات. وأضاف أن البحرين تعترف بالأعراف الأساسية الحاكمة للعلاقات الدولية مثل عدم التدخل في الشؤون الداخلية والاحترام المتبادل وحسن الجوار وتسوية المنازعات بالطرق السلمية، مضيفا أن البحرين تعارض أيضا تسييس قضايا حقوق الإنسان وتدعم جهود الصين للمحافظة على الوحدة والاستقرار. وأشار الزياني إلى أن البحرين تدعم الصين في استضافة أولمبياد بكين الشتوية وتعارض تسييس الرياضة. كما تبادل الجانبان وجهات النظر بشأن التعاون بين الصين ومجلس التعاون الخليجي، فضلا عن الملف النووي الإيراني والوضع في الشرق الأوسط.

 في الثاني عشر من يناير، التقى وانغ يي مع وزير خارجية الكويت أحمد ناصر المحمد الصباح، وذكرت ((شينخوا))، أن وانغ يي أشار إلى أن الكويت واحدة من الدول الأكثر ودية بالنسبة للصين وأول دولة في الخليج تقيم علاقات دبلوماسية مع الصين، وهي أيضا أول دولة في الخليج توقع وثائق تعاون للبناء المشترك لمبادرة "الحزام والطريق"، قائلا إن الصين تقدر تمسك الكويت الحازم بالسياسة الودية تجاه الصين ودعمها القوي للصين في حماية سيادتها وأمنها ومصالحها التنموية. وأضاف وانغ أن الصين ستظل شريكة موثوقة بالنسبة للكويت، وستواصل دعم شواغلها المشروعة والمعقولة، من أجل رفع العلاقات الثنائية إلى مستوى جديد. من جانبه قال أحمد ناصر المحمد الصباح، إن الكويت تدعم موقف الصين العادل فيما يتعلق بحماية مصالحها الخاصة، وتعارض تسييس قضايا حقوق الإنسان والتدخل في شؤون الصين الداخلية. وأضاف أن الكويت مستعدة لتطبيق التوافق المهم الذي توصل إليه زعيما البلدين، من أجل تحويل الرؤية العظيمة الخاصة بالعلاقات الثنائية إلى حقيقية. وأوضح وزير خارجية الكويت أن بلاده تتطلع إلى التعلم من خبرة الصين المتقدمة في العلوم والتكنولوجيا وترحب بالشركات الصينية للاستثمار في الكويت. كما أعرب عن دعم الكويت لأولمبياد بكين الشتوية ومعارضتها تسييس الرياضة. واتفق الجانبان على تعزيز تلاحم مبادرة "الحزام والطريق" مع رؤية الكويت 2035، وتسريع وضع خطة تعاون خمسية، وتوسيع التعاون في الطاقة النظيفة وشبكات الجيل الخامس والمدن الذكية ومجالات أخرى في التكنولوجيا الفائقة. كما اتفق الجانبان على بذل جهود مشتركة لمواصلة مكافحة جائحة كوفيد- 19، وتعميق التبادلات الشعبية والثقافية والتعاون فيما يتعلق بالصحة والتعليم والشباب والحكومات المحلية والرياضة، وتسهيل تبادلات الأفراد.

في الرابع عشر من يناير، عقد وانغ يي محادثات مع وزير خارجية سلطنة عمان بدر بن حمد البوسعيدي، في مدينة ووشي. وقد أشاد السيد وانغ بالصداقة التقليدية بين الصين وعُمان، موضحا أن الثقة السياسية المتبادلة بين الدولتين ترسخت، كما تقدم التعاون البراغماتي في مختلف المجالات بطريقة منتظمة. وقال وانغ إن الصين وعُمان، بصفتهما من الدول النامية والأسواق الناشئة، تواجهان تحديات مشتركة، معربا عن أمله في تمكن الجانبين من تعميق التعاون المتبادل النفع والمضي قدما في الشراكة الإستراتيجية بينهما. وقال إن الجانب الصيني يقدر السياسة الودية المتسقة لعمان تجاه الصين ودعمها في حماية مصالحها الرئيسية وكرامتها الوطنية، مشيرا إلى أن الصين ستواصل دعم عُمان بقوة في حماية سيادتها وأمنها واستقرارها. وأكد أن الصين تعتزم المشاركة بفاعلية في مشروعات الإنشاء العمانية الرئيسية، وتشجع المزيد من الشركات الصينية على الاستثمار في عمان. ومن جانبه، قال وزير خارجية عُمان إنه يقدر الدعم الصيني القوي، وتعهد بالتزام بلاده الصارم بمبدأ الصين الواحدة، وكذا دعم الصين في حماية مصالحها المشروعة. وأضاف أن عُمان تعتزم دفع تعميق شراكتها الإستراتيجية مع الصين، والمشاركة بفاعلية في مبادرة "الحزام والطريق"، معربا أيضا عن دعم بلاده لأولمبياد بكين الشتوية. كما اتفق الجانبان على دفع تعزيز كافة جوانب التعاون، ومن بينها التعاون في التجارة والاقتصاد ومجالات مكافحة الجوائح. وتوصلا إلى اتفاق بشأن الإعفاءات المتبادلة من تأشيرة الدخول، واتفقا على توقيع الوثائق المعنية في وقت قريب لتسهيل تبادلات الأفراد ودعم التبادلات الثقافية والشعبية.

السؤال المطروح هنا، ما دلالة هذه الزيارات، سواء بالنسبة للصين أو لدول الخليج العربية؟

باختصار شديد، فإن الصين تؤكد بقوة مكانتها كدولة "رائدة"، في ظل التحول المتسارع للنظام الدولي وما رافقه من تحول في مفهوم الدولة "العظمى". فإذا كانت قوة الدول ومكانتها مازالت تعتمد إلى حد كبير على قدراتها العسكرية والاقتصادية، فإن ثمة عناصر جديدة تميز الدولة وتجعلها رائدة، ومنها البحث العلمي ونظام الحماية الاجتماعية وقوة وفاعلية نظام التعليم وقوة وتماسك المجتمع وحماية البيئة ومكافحة الفساد والمساواة بين المواطنين وحوكمة الإدارة، وتنافسية الاقتصاد وإنتاج واستيعاب التكنولوجيا، وتلك كلها عناصر تحقق الصين فيها تقدما ملحوظا.

على الجانب الآخر، يلاحظ المراقب أنه منذ بداية القرن الحادي والعشرين، صارت دول الخليج العربية هي الأكثر حضورا في علاقات الصين مع الدول العربية. ومع التغيرات التي شهدتها وتشهدها المنطقة العربية، وحقيقة أن دول مجلس التعاون الخليجي هي الأكثر استقرارا سياسيا ونموا اقتصاديا في المنطقة، ومع ما أثبتته تلك الدول من قدرة على تجاوز تداعيات الأزمات الاقتصادية والمالية العالمية، وتشابك ملفات المنطقة العربية وتعقدها، فإن هذه الزيارة ذات أهمية بالغة وسيكون لها مردودها على مستقبل علاقات الصين مع دول الخليج العربية.

 

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4