البث المباشر الراديو 9090
رأفت الهجان
تجلى أدب الجاسوسية المصرى فى ثمانينات وتسعينات القرن المنصرم، وخرجت المسلسلات والأفلام تجسد كتابات وروايات المخابرات المصرية عن مغامراتهم فى الأراضى المحتلة، فضلًا عن إسهامات الأدباء.

ورأفت الهجان، الاسم الأشهر فى تلك الحقبة التاريخية، وهو الاسم الحركى للمواطن المصرى رفعت على سليمان الجمال، الذى تمر اليوم ذكرى وفاته، وحسب المخابرات العامة المصرية رحل إلى إسرائيل بتكليف من المخابرات المصرية فى إطار خطة منظمة فى يونيو 1956، وتمكن من إقامة مصالح تجارية واسعة وناجحة فى تل أبيب، وأصبح شخصية بارزة فى المجتمع الإسرائيلى.

وحسب الرواية المصرية فإن "الهجان" قام ولسنوات طويلة بالتجسس وإمداد جهاز المخابرات المصرى بمعلومات مهمة تحت ستار شركة سياحية داخل إسرائيل، حيث زود بلاده بمعلومات خطيرة منها موعد حرب يونيو لسنة 1967، وكان له دور فعال فى الإعداد لحرب أكتوبر سنة 1973، بعد أن زود مصر بتفاصيل عن خط برليف.

أحدثت هذه الرواية والعملية هزة عنيفة لأسطورة تألق الموساد وصعوبة اختراقه، وتم اعتبار الهجان بطلًا قوميًا فى مصر عمل داخل إسرائيل بنجاح باهر لمدة 17 سنة، وتم بث مسلسل تلفزيونى عن حياة الهجان.

"الهجان" كتب قصة حياته، وكشف فيها أسرار عمله مع المخابرات المصرية، ومنذ ظهور قصة "رفعت الجمَّال" إلى الوجود، كرواية مسلسلة، حملت اسم "رأفت الهجَّان"، فى 3 يناير 1986، فى العدد رقم 3195 من مجلة المصوِّر المصرية، جذب الأمر انتباه الملايين، الذين طالعوا الأحداث فى شغف مدهش، لم يسبق له مثيل، وتعلَّقوا بالشخصية إلى حد الهوس، وأدركوا جميعًا، سواء المتخصصين أو غيرهم، أنهم أمام ميلاد جديد، لروايات عالم المخابرات، وأدب الجاسوسية، وأمام بوَّابة جديدة فريدة، تنفتح لأوَّل مرة، على هذا النحو من القوة، أمام القارئ العادى.

تحوَّلت القصة إلى مسلسل تليفزيونى، سيطر على عقول الملايين، فى العالم العربى كله، وأثار جدلًا طويلًا، لم ينقطع حتى لحظة كتابة هذه السطور، فى منطقة الشرق الأوسط بأكملها، وبحسب تعبير الكاتب الكبير نبيل فاروق، تحوَّل الأمر من مجرَّد رواية فى أدب الجاسوسية، تفتح بعض ملفات المخابرات المصرية، إلى صرعة لا مثيل لها، ولهفة لم تحدث من قبل، وتحمل اسم "رأفت الهجان"، فقد تداعت الأحداث، وانطلق الخيط بلا حدود، وراحت عشرات الصحف تنشر معلومات جديدة فى كل يوم، عن حقيقة ذلك الجاسوس المدهش، الذى زرعته المخابرات المصرية فى قلب إسرائيل، لينشئ ويدير واحدة من أقوى شبكات الجاسوسية، ويبرع فى خطة خداع عبقرية، ومنظومة مخابراتية رفيعة المستوى، عبر ثمانية عشر عامًا كاملة، دون أن ينكشف أمره لحظة واحدة، على عكس ما يدّعى الإسرائيليون الآن.

ويقول صالح مرسى، فى كتابه "رأفت الهجان": ليس اسمه الحقيقى، ليس اسمه فى مصر حيث ولد وعاش، كما أن ديڤيد شارل سمحون وهو الاسم الذى سوف نطلقه عليه، ليس اسمه الذى عرف به فى إسرائيل، حيث ذهب إليها فى الخمسينيات كبطل من أبطال الصهيونية، وغادرها بعد عشرين عامًا كواحد من أصحاب الملايين، ورجل من رجال أعمالها البارزين.

صالح مرسى يضيف: رأفت الهجان، ليس اسمه الحقيقى، لكنه الاسم الذى اختاره له صديق عمره، وطوق نجاته، والخيط الخفى الذى ارتبط به ارتباط الجنين بحبله السّرى، عشرون عامًا وهما يلتقيان فى كل يوم، يتحدثان، يتشاجران، يمسك كل منهما بخناق الآخر، ويتناجيان معًا فى حب مصر، عزيز الجبالى، وهذا أيضًا ليس اسمه، ضابط المخابرات الذى تعرف عليه وهو فى السادسة والعشرين من عمره، ثم فرقهما القدر وقد تخطى الخمسين.

وفى كتابه يقول أيضًا: حدث كل هذا دون أن يلتقيا مرة واحدة، أو يرى أحدهما الآخر، دون أن يتبادلا الحديث إلا من خلال خطابات كتبت بالحبر السرى، أو صفير متقطع لجهاز إرسال أو استقبال، أقول: إذا كان الأمر كذلك فإنى أتساءل قبل أن أخط كلمة واحدة فى هذا العمل: هل يستطيع الخيال أن يرتفع إلى مستوى الحقيقة؟ مجرد سؤال لا يمكن أن تكون إجابته عندى، غير أنى أقول: هذه قصة رجلين من جيل صنع لمصر، وللأمة العربية كلها، معجزات، تحاول بعض قوى الشر أن تطمسها.

أما كتاب مذكرات فلتراود هاينريتش شبالت، التى عُرفت فيما بعد باسم فلتراود بيتون، أرملة جاك بيتون، وهو ذلك الاسم، الذى عُرف به رفعت الجمَّال، منذ تحوَّل إلى هوية يهودية، والذى حمله فى إسرائيل، وفى ألمانيا رسميًا، حتى لحظة وفاته، فينقسم إلى ثلاثة فصول.

يتحدَّث الفصل الأوَّل منها عن حياة "فلتراود" مع "جاك بيتون"، ولقائها به، والكثير من التفاصيل عن شخصيته، حسبما خبرتها وعرفتها شخصيًا، طوال فترة زواجهما، وهذا الفصل يبدو أشبه بقصة رومانسية، ومناجاة لحبيب رحل، بأكثر مما يرتبط بعالم المخابرات والجاسوسية، كما قد ترغب فى قراءته إذا ما ابتعت الكتاب لهذا الهدف بالتحديد، ولكن، وعلى الرغم من هذا، فالفصل الأوَّل يمنحك الكثير من المعلومات الهامة، واللمحات شديدة الخطورة، بشأن شخصية "جاك بيتون"، وتغلغله القوى، فى قلب المجتمع الإسرائيلى، وبالذات ذلك الجزء الذى تقول فيه "فلتراود" فى مذكراتها الشخصية:

قضيت أيامًا أضفى "لمسة المرأة" على الشقة، وذات يوم، وأنا عاكفة على تنظيف المسكن دق جرس المنزل، وعندما فتحت الباب، لم أر للوهلة الأولى سوى باقة كبيرة من الأزهار، وما إن انخفضت الباقة قليلًا، حتى طالعتنى أعرض ابتسامة عرفتها، رأيت رجلًا واقفًا أمامى، وعلى إحدى عينيه عصابة من القماش الأسود، قدَّم إلى باقة الورد، قائلًا: "أردت فقط أن أشاهد الغلطة، التى ارتكبها جاك بيتون"، ثم انصرف لا يلوى على شىء، وأدركت أنه موشى ديان، وعرفت بعد ذلك أنه أقرب أصدقاء جاك.

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز




آخر الأخبار